الله. ما جعلهم الله موكلين فيه ، ذكر قوتهم على ذلك ، وسرعة سيرهم ، بأن جعلهم (أُولِي أَجْنِحَةٍ) تطير بها ، فتسرع بتنفيذ ما أمرت به. (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي : منهم من له جناحان ، وثلاثة ، وأربعة ، بحسب ما اقتضته حكمته ، (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) أي : يزيد بعض مخلوقاته على بعض ، في صفة خلقها ، وفي القوة ، وفي الحسن ، وفي زيادة الأعضاء المعهودة ، وفي حسن الأصوات ، ولذة النغمات. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فقدرته تعالى ، تأتي على ما يشاؤه ، ولا يستعصي عليها شيء ، ومن ذلك ، زيادة مخلوقاته ، بعضها على بعض. ثمّ ذكر انفراده تعالى ، بالتدبير ، والعطاء ، والمنع فقال : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ) من رحمته عنهم (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) فهذا يوجب التعلق بالله تعالى ، والافتقار إليه من جميع الوجوه ، وأن لا يدعى إلا هو ، ولا يخاف ويرجى ، إلا هو. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي قهر الأشياء كلها (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.
[٣] يأمر تعالى ، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم. وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا ، وباللسان ثناء ، وبالجوارح انقيادا ، فإن ذكر نعمه تعالى ، داع لشكره. ثمّ نبههم على أصول النعم ، وهي : الخلق ، والرزق فقال : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ). ولما كان من المعلوم ، أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا الله ، نتج من ذلك ، أن كان ذلك ، دليلا على ألوهيته وعبوديته ، ولهذا قال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي : تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق.
[٤] (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا أيها الرسول ، فلك أسوة بمن قبلك من المرسلين. (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فأهلك المكذبون ، ونجّى الله الرسل وأتباعهم. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) في الآخرة ، فيجازي المكذبين ، وينصر المرسلين وأتباعهم.
[٥ ـ ٦] يقول تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث ، والجزاء على الأعمال (حَقٌ) أي : لا شك فيه ، ولا مرية ، ولا تردد ، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية ، والبراهين العقلية. فإذا كان وعده حقا ، فتهيؤوا له وبادروا أوقاتكم الشريفة ، بالأعمال الصالحة ، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بلذاتها وشهواتها ، ومطالبها النفسية ، فتلهيكم عمّا خلقتم له. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الذي هو : (الشَّيْطانَ) وهو (لَكُمْ عَدُوٌّ) في الحقيقة (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي : لتكن منكم عداوته ، ولا تهملوا محاربته كلّ وقت ، فإنه يراكم ، وأنتم لا ترونه ، وهو دائما لكم بالمرصاد. (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) هذا غايته ومقصود ممن تبعه ، أن يهان غاية الإهانة ، بالعذاب الشديد.
[٧] ثمّ ذكر أن الناس ، انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها ، إلى قسمين ، وذكر جزاء كلّ منهما فقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : جحدوا ما جاءت به الرسل ، ودلت عليه الكتب (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) في نار جهنم ، شديد في ذاته ، ووصفه ، وأنهم خالدون فيها أبدا. (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم ، بما دعا الله إلى الإيمان به (وَعَمِلُوا) بمقتضى