حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم ، ولا في طعامهم وشرابهم ، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم ، ولا في دوام لبثهم. فهم في نعيم ، ما يرون عليه مزيدا ، وهو في تزايد أبد الآباد. (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) حيث غفر لنا الزلات (شَكُورٌ) حيث قبل منا الحسنات ، وضاعفها ، وأعطانا من فضله ، ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا ؛ فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب ، وبشكره وفضله ، حصل لهم كل مرغوب محبوب.
[٣٥] (الَّذِي أَحَلَّنا) أي : أنزلنا نزول حلول واستقرار ، لا نزول معبر واعتبار. (دارَ الْمُقامَةِ) أي : الدار الّتي تدوم فيها الإقامة ، والدار الّتي يرغب في المقام فيها ، لكثرة خيراتها ، وتوالي مسراتها ، وزوال كدوراتها. وذلك الإحلال (مِنْ فَضْلِهِ) علينا ، وكرمه ، لا بأعمالنا ؛ فلو لا فضله ، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) أي : لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى ، ولا في كثرة التمتع. وهذا يدل ، على أن الله تعالى يجعل أبدانهم ، في نشأة كاملة ، ويهيّىء لهم من أسباب الراحة على الدوام ، ما يكونون بهذه الصفة ، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب ، ولا هم ولا حزن. ويدل على أنهم لا ينامون في الجنة ؛ لأن النوم فائدته ، زوال التعب ، وحصول الراحة به ، وأهل الجنة بخلاف ذلك. ولأنه موت أصغر ، وأهل الجنة لا يموتون ، جعلنا الله منهم ، بمنه وكرمه.
[٣٦ ـ ٣٧] لما ذكر تعالى حال أهل الجنة ونعيمهم ، ذكر حال أهل النار وعذابهم فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من الآيات ، وأنكروا لقاء ربهم. (لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ) يعذبون فيها أشد العذاب ، وأبلغ العقاب. (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ) بالموت (فَيَمُوتُوا) فيستريحوا. (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) فشدة العذاب وعظمه ، مستمر عليهم في جميع الآناء واللحظات. (كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) أي : كذلك نجزي به كلّ متماد في الكفر ، مصر عليه (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) أي : يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ). فاعترفوا بذنبهم ، وعرفوا أن الله عدل فيهم ، ولكن سألوا الرجعة في غير وقتها. فقال لهم : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما) أي : دهرا وعمرا (يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أي : يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل ، متعناكم في الدنيا ، وأدررنا عليكم الأرزاق ، وقيضنا لكم أسباب الراحة ، ومددنا لكم في العمر ، وتابعنا عليكم الآيات (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) وواصلنا إليكم النذر ، وابتليناكم بالسراء والضراء ، لتنيبوا إلينا ، وترجعوا إلينا. فلم ينجع فيكم إنذار ، ولم تفد فيكم موعظة ، وأخرنا عنكم العقوبة ، حتى إذا انقضت آجالكم ، وتمت أعماركم ، ورحلتم عن دار الإمكان ، بأشرّ الحالات ، ووصلتم إلى هذه الدار ، دار الجزاء على الأعمال ، سألتم الرجعة. هيهات هيهات ، فات وقت الإمكان ، وغضب عليكم الرحيم الرحمن ، واشتد عليكم عذاب النار ، ونسيكم أهل الجنة ، فامكثوا في جهنم ، خالدين مخلدين ، وفي العذاب مهانين ، ولهذا قال : (فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ينصرهم ، فيخرجهم منها ، أو يخفف عنهم من عذابها.