(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٤) ليس له شريك في الإلهية ، فأخلصوا له الحب ، والخوف ، والرجاء ، وسائر أنواع العبادة.
[٥] (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (٥) أي : هو الخالق لهذه المخلوقات ، الرازق لها ، المذل لها. فكما أنه لا شريك له في ربوبيته إياها ، فكذلك لا شريك له في ألوهيته. وكثيرا ما يقرن تعالى ، توحيد الإلهية ، بتوحيد الربوبية ؛ لأنه دالّ عليه. وقد أقرّ به أيضا المشركون في العبادة ، فليزمهم بما أقروا به على ما أنكروه.
[٦ ـ ٨] وخص الله المشارق بالذكر ، لدلالتها على المغارب ، أو لأنها مشارق النجوم ، الّتي سيذكرها ، فلهذا قال : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى). ذكر الله في الكواكب ، هاتين الفائدتين العظيمتين : إحداهما : كونها زينة للسماء ، إذ لولاها ، لكانت السماء مظلمة ، لا ضوء فيها. ولكن زينها بها لتستنير أرجاؤها ، وتحسن صورتها ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل. والثانية : حراسة السماء ، عن كلّ شيطان مارد ، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى ، وهم الملائكة. فإذا استمعوا (يُقْذَفُونَ) بالشهب الثواقب (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) طردا لهم ، وإبعادا إياهم ، عن استماع ما يقول الملأ الأعلى.
[٩] (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) أي : دائم ، معد لهم ، لتمردهم عن طاعة ربهم. [١٠] ولو لا أنه تعالى استثنى ، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا ، ولكن قال : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) أي : إلا من تلقف من الشياطين المردة ، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) تارة ، يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه ، فينقطع خبر السماء. وتارة يخبر بها ، قبل أن يدركه الشهاب ، فيكذبون معها مائة كذبة ، يروجونها بسبب الكلمة ، الّتي سمعت من السماء.
[١١] ولما بيّن هذه المخلوقات العظيمة قال : (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي : اسأل منكري خلقهم بعد موتهم. (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) أي : إيجادهم بعد موتهم ، أشد خلقا وأشق؟ (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من هذه المخلوقات؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السموات والأرض ، أكبر من خلق الناس. فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث ، بل لو رجعوا إلى أنفسهم ، وفكروا فيها ، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب ، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم ، ولهذا قال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي : قوي شديد كقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٦).
[١٢] (بَلْ عَجِبْتَ) أيها الرسول ، أو أيها الإنسان ، من تكذيب من كذّب بالبعث ، بعد أن أريتهم من الآيات العظيمة ، والأدلة المستقيمة. وهو حقيقة ، محل عجب واستغراب ؛ لأنه مما لا يقبل الإنكار. (وَ) أعجب من إنكارهم وأبلغ منه ، أنهم (يَسْخَرُونَ) ممن جاء بالخبر عن البعث. فلم يكفهم مجرد الإنكار ، حتى زادوا السخرية بالقول الحقّ.
[١٣ ـ ١٤] (وَ) من العجب أيضا أنهم (إِذا ذُكِّرُوا) ما يعرفون في فطرهم وعقولهم ، وفطنوا له ، ولفت نظرهم إليه (لا يَذْكُرُونَ) ذلك. فإن كان جهلا ، فهو من أدلّ الدلائل على شدة بلادتهم العظيمة ، حيث ذكروا ما هو مستقر في الفطرة ، معلوم بالعقل ، لا يقبل الإشكال. وإن كان تجاهلا وعنادا ، فهو أعجب وأغرب. ومن العجب أيضا ، أنهم إذا أقيمت عليهم الأدلة ، وذكروا الآيات الّتي يخضع لها فحول الرجال ، وألباب الألباء ، يسخرون منها