ويعجبون.
[١٥] ومن العجب أيضا ، قولهم للحق لما جاءهم : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). فجعلوا أعلى الأشياء ، وأجلّها ، وهو الحقّ ، في رتبة أخسّ الأشياء وأحقرها.
[١٦ ـ ١٧] ومن العجب أيضا ، قياسهم قدرة رب الأرض والسموات ، على قدرة الآدمي الناقص من جميع الوجوه ، فقالوا استبعادا وإنكارا : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (١٧).
[١٨] ولما كان هذا منتهى ما عندهم ، وغاية ما لديهم ، أمر الله رسوله أن يجيبهم بجواب مشتمل على ترهيبهم فقال : (قُلْ نَعَمْ) ستبعثون ، أنتم وآباؤكم الأولون (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) ذليلون صاغرون ، لا تمتنعون ، ولا تستعصون على قدرة الله. [١٩] (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) ينفخ إسرافيل فيها في الصور (فَإِذا هُمْ) مبعوثون من قبورهم (يَنْظُرُونَ) كما ابتدئ خلقهم ، بعثوا بجميع أجزائهم ، حفاة عراة غرلا. وفي تلك الحال ، يظهرون الندم ، والخزي ، والخسار ، ويدعون بالويل والثبور. [٢٠] (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) (٢٠) «أي : هذا يوم الحساب والجزاء على الأعمال» فقد أقروا بما كانوا في الدنيا به يهزؤون. [٢١] فيقال لهم : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) بين العباد فيما بينهم ، وبين ربهم من الحقوق ، وفيما بينهم وبين غيرهم من الخلق.
[٢٢] أي : إذا حضروا يوم القيامة ، وعاينوا ما به يكذبون ، ورأوا ما به يستسخرون ، يؤمر بهم إلى النار ، الّتي بها كانوا يكذبون ، فيقال : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والشرك ، والمعاصي (وَأَزْواجَهُمْ) الّذين من جنس عملهم ، كل يضم إلى من يجانسه في العمل. [٢٣] (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والأنداد. الّتي زعموها. اجمعوهم جميعا (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) أي : سوقوهم سوقا عنيفا إلى جهنم. (وَ) بعد ما يتعين أمرهم إلى النار ، ويعرفون أنهم من أهل دار البوار ، يقال : (قِفُوهُمْ) قبل أن توصلوهم إلى جهنم (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عمّا كانوا يفترونه في الدنيا ، ليظهر على رؤوس الأشهاد كذبهم وفضيحتهم.
[٢٥] فيقال لهم : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) (٢٥) أي : ما الذي جرى عليكم اليوم؟ وما الذي طرقكم حتى لا ينصر بعضكم بعضا ، ولا يغيث بعضكم بعضا ، بعد ما كنتم تزعمون في الدنيا ، أن آلهتكم ستدفع عنكم العذاب ، وتغيثكم ، أو تشفع لكم عند الله. فكأنهم لا يجيبون على هذا السؤال ، لأنهم قد علاهم الذل والصغار ، واستسلموا لعذاب النار ، وخشعوا وخضعوا ، وأبلسوا ، فلم ينطقوا.
[٢٦] ولهذا قال : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (٢٦) «أي : منقادون أذلاء ، فكلهم مستسلم غير منتصر».
[٢٧ ـ ٢٨] لما جمعوا هم وأزواجهم وآلهتهم ، وهدوا إلى صراط الجحيم ، ووقفوا ، فسئلوا ، فلم يجيبوا ، أقبلوا فيما بينهم ، يلزم بعضهم بعضا ، على إضلالهم وضلالهم. فقال الأتباع للمتبوعين الرؤساء : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي : بالقوة والغلبة ، فتضلونا ، ولو لا أنتم لكنا مؤمنين. [٢٩] (قالُوا) لهم (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي : ما زلتم مشركين ، كما نحن مشركون. [٣٠] فأي شيء فضلكم علينا؟ وأي شيء يوجب لومنا (وَ) الحال أنه (ما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي : قهر لكم على اختيار الكفر (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) متجاوزين للحق. [٣١] (فَحَقَّ عَلَيْنا) «فلزمنا جميعا» نحن وإياكم (قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) العذاب. أي : حق علينا قدر ربنا ، وقضاؤه ، إنا وإياكم سنذوق العذاب ، ونشترك في العقاب. [٣٢] (ف) لذلك أغويناكم (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) (٣٢) أي : دعوناكم إلى طريقتنا الّتي نحن عليها ، وهي الغواية ، فاستجبتم لنا ، فلا تلومونا ، ولوموا أنفسكم. [٣٣] قال تعالى : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) وإن تفاوتت مقادير عذابهم ، بحسب جرمهم. [٣٤] كما اشتركوا في الدنيا على الكفر ، اشتركوا في الآخرة بجزائه ، ولهذا قال : (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) (٣٤).
[٣٥] ثمّ ذكر أن إجرامهم ، قد بلغ الغاية وجاوز النهاية فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فدعوا إليها ، وأمروا بترك إلهية ما سواه (يَسْتَكْبِرُونَ) عنها ، وعلى من جاء بها. [٣٦] (وَيَقُولُونَ) معارضة لها (أَإِنَّا لَتارِكُوا