آلِهَتِنا) الّتي لم نزل نعبدها ، نحن وآباؤنا (ل) قول شاعر (مَجْنُونٍ) يعنون : محمدا صلىاللهعليهوسلم. فلم يكفهم قبحهم الله ، الإعراض عنه ، ولا مجرد تكذيبه ، حتى حكموا عليها بأظلم الأحكام ، وجعلوه شاعرا مجنونا ، وهم يعلمون ، أنه لا يعرف الشعر والشعراء ، ولا وصفه وصفهم ، وأنه أعقل خلق الله ، وأعظمهم رأيا.
[٣٧] ولهذا قال تعالى ، ناقضا لقولهم : (بَلْ جاءَ) محمد (بِالْحَقِ) أي : مجيئه حقّ ، وما جاء به من الشرع والكتاب حق. (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) أي : ومجيئه صدق المرسلين ، فلو لا مجيئه وإرساله لم يكن الرسل صادقين ، فهو آية ومعجزة لكل رسول قبله ، لأنهم أخبروا به وبشروا ، وأخذ الله عليهم العهد والميثاق ، لئن جاءهم ، ليؤمنن به ولينصرنه ، وأخذوا ذلك على أممهم. فلما جاء ، ظهر صدق الرسل الّذين قبله ، وتبين كذب من خالفهم. فلو قدر عدم مجيئه ، وهم قد أخبروا به ، لكان ذلك قادحا في صدقهم. وصدّق أيضا المرسلين ، بأن جاء بما جاءوا به ، ودعا إلى ما دعوا إليه ، وآمن بهم ، وأخبر بصحة رسالتهم ونبوتهم وشرعهم.
[٣٨ ـ ٣٩] ولما كان قولهم السابق : (إِنَّا لَذائِقُونَ) قولا صادرا منهم ، يحتمل أن يكون صدقا أو غيره ، أخبر تعالى بالقول الفصل الذي لا يحتمل غير الصدق واليقين ، وهو الخبر الصادق منه تعالى فقال : (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) (٣٨) أي : المؤلم الموجع (وَما تُجْزَوْنَ) في إذاقة العذاب الأليم (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فلم نظلمكم ، وإنّما عدلنا فيكم؟
[٤٠] ولما كان هذا الخطاب ، لفظه عاما ، والمراد به : المشركون ، استثنى تعالى المؤمنين فقال : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) إلى (مَكْنُونٌ). يقول تعالى : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) فإنهم غير ذائقي العذاب الأليم ، لأنهم أخلصوا لله الأعمال ، فأخلصهم ، واختصهم برحمته ، وجاد عليهم بلطفه.
[٤١] (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٤١) أي : غير مجهول ، وإنّما هو رزق عظيم جليل ، لا يجهل أمره ، ولا يبلغ كنهه.
[٤٢] فسره بقوله : (فَواكِهُ) من جميع أنواع الفواكه ، الّتي تتفكه بها النفس ، للذتها في لونها وطعمها. (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) لا مهانون محتقرون ، بل معظمون مبجلون موقرون. قد أكرم بعضهم بعضا ، وأكرمتهم الملائكة الكرام ، وصاروا يدخلون عليها من كلّ باب ، ويهنّئونهم ببلوغ أهنأ الثواب. وأكرمهم أكرم الأكرمين ، وجاد عليهم بأنواع الكرامات ، من نعيم القلوب والأرواح والأبدان.
[٤٣] (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٤٣) أي : الجنات ، الّتي النعيم وصفها ، والسرور نعتها. وذلك لما جمعته ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. وسلمت من كلّ ما يخل بنعيمها ، من جميع المكدرات والمنغصات.
[٤٤] ومن كرامتهم عند ربهم ، وإكرام بعضهم بعضا ، أنهم على (سُرُرٍ) وهي المجالس المرتفعة ، المزينة بأنواع الأكسية الفاخرة ، المزخرفة المجملة ، فهم متكئون عليها ، على وجه الراحة والطمأنينة ، والفرح ، (مُتَقابِلِينَ) فيما بينهم ، قد صفت قلوبهم ومحبتهم فيما بينهم ونعموا باجتماع بعضهم مع بعض. فإن مقابلة وجوههم ، تدل على تقابل قلوبهم ، وتأدب بعضهم مع بعض فلم يستدبره ، أو يجعله إلى جانبه. بل من كمال السرور والأدب ، ما دل عليه ذلك التقابل.