[٤٥] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (٤٥) أي : يتردد الولدان المستعدون لخدمتهم عليهم ، بالأشربة اللذيذة ، بالكأسات الجميلة المنظر ، المترعة من الرحيق المختوم بالمسك ، وهو كاسات الخمر.
[٤٦] وتلك الخمر ، تخالف خمر الدنيا من كلّ وجه ، فإنها في لونها (بَيْضاءَ) من أحسن الألوان ، وفي طعمها (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) يلتذ شاربها بها وقت شربها وبعده.
[٤٧] وأنها سالمة (لا فِيها غَوْلٌ) العقل وذهابه ، ونزفه ، ونزف مال صاحبها ، وليس فيها صداع ولا كدر. فلما ذكر طعامهم وشربهم ، ومجالسهم ، وعموم النعيم وتفاصيله ، داخلة في قوله : (جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
[٤٨] لكن فصل هذه الأشياء ، لتعلم ، فتشتاق النفوس إليها ، ذكر أزواجهم فقال : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي : وعند أهل دار النعيم ، في محلاتهم القريبة ، حور حسان ، كاملات الأوصاف ، قاصرات الطرف. إما أنها قصرت طرفها على زوجها ، لعفتها ، وعدم مجاوزته لغيره ، ولجمال زوجها وكماله ، بحيث لا تطلب في الجنة سواه ، ولا ترغب إلا به. وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها ، وذلك يدل على كمالها ، وجمالها الفائق ، الذي أوجب لزوجها ، أن يقصر طرفه عليها. وقصر الطرف أيضا ، يدل على قصر النفس والمحبة عليها. وكلا المعنيين محتمل ، وكلاهما صحيح.
وكلّ هذا ، يدل على جمال الرجال والنساء في الجنة ، ومحبة بعضهم بعضا ، محبة لا يطمح معها أحد إلى غيره. ويدل على شدة عفتهم كلهم ، وأنه لا حسد فيها ولا تباغض ، ولا تشاحن وذلك لانتفاء أسبابه. (عِينٌ) أي : حسان الأعين جميلاتها ، ملاح الحدق
[٤٩] (كَأَنَّهُنَ) أي : الحور (بَيْضٌ مَكْنُونٌ) أي : مستور ، وذلك من حسنهن وصفائهن وكون ألوانهن أحسن الألوان وأبهاها ، ليس فيه كدر ولا شين.
[٥٠] لما ذكر تعالى نعيمهم ، وتمام سرورهم ، بالمآكل والمشارب ، والأزواج الحسان ، والمجالس الحسنة ، وصف تذاكرهم فيما بينهم ، ومطارحتهم للأحاديث ، عن الأمور الماضية ، وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل ، حتى أفضى ذلك بهم ، إلى أن قال قائل منهم :
[٥١ ـ ٥٣] (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) في الدنيا ، ينكر البعث ، ويلومني على تصديقي به و (يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) (٥٣) أي : مجازون بأعمالنا؟ أي : كيف تصدق بهذا الأمر البعيد ، الذي في غاية الاستغراب ، وهو أننا إذا تمزقنا ، فصرنا ترابا وعظاما ، أننا نبعث ونعاد ، ثمّ نحاسب ونجازى بأعمالنا؟ أي : يقول صاحب الجنة لإخوانه : هذه قصتي ، وهذا خبري ، أنا وقريني. ما زلت أنا مؤمنا صادقا ، وهو ما زال مكذبا منكرا للبعث ، حتى متنا ، ثمّ بعثنا. فوصلت أنا إلى ما ترون من النعيم ، الذي أخبرتنا به الرسل ، وهو لا شك ، أنه قد وصل إلى العذاب.
[٥٤] (قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) (٥٤) لننظر إليه ، فنزداد غبطة وسرورا بما نحن فيه ، ويكون ذلك رأي عين؟ والظاهر من حال أهل الجنة ، وسرور بعضهم ببعض ، وموافقة بعضهم بعضا ، أنهم أجابوه لما قال ، وذهبوا تبعا له ، للاطلاع على قرينه.
[٥٥] (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ) أي : رأى قرينه (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) ، أي : في وسط العذاب وغمراته ، والعذاب قد أحاط به.
[٥٦] (قالَ) له ، لائما على حاله وشاكرا لله ، على أن نجاه من كيده. (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي : تهلكني بسبب ما أدخلت عليّ من الشّبه بزعمك.