يرد قوله بالقدح في نيته ، فنيته وعمله له ؛ وإنّما يرد بمقابلته بما يبطله ويفسده ، من الحجج والبراهين. وهم قصدهم ، أن محمدا ، ما دعاكم إلى ما دعاكم ، إلا ليرأس فيكم ، ويكون معظّما عندكم ، ومتبوعا.
[٧] (ما سَمِعْنا بِهذا) القول الذي قاله ، والدين الذي دعا إليه (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) أي : في الوقت الأخير ، فلا أدركنا عليه آباءنا ، ولا آباؤنا أدركوا آباءهم عليه. فامضوا على الذي مضى عليه آباؤكم ، فإنه الحقّ. وما هذا الذي دعا إليه محمد ، إلا اختلاق اختلقه ، وكذب افتراه. وهذه أيضا شبهة ، من جنس شبهتهم الأولى ، حيث ردوا الحقّ بما ليس بحجة لرد أدنى قول ، وهو أنه قول مخالف لما عليه آباؤهم الضالون. فأين في هذا ، ما يدل على بطلانه؟
[٨] (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) أي : ما الذي فضّله علينا ، حتى ينزّل الذّكر عليه من دوننا ، ويخصه الله به؟ وهذه أيضا شبهة ، أين البرهان فيها على رد ما قاله؟ وهل جميع الرسل إلا بهذا الوصف يمنّ الله عليهم برسالته ، ويأمرهم بدعوة الخلق إلى الله. ولهذا ، لما كانت هذه الأقوال الصادرة منهم ، لا يصلح شيء منها لرد ما جاء به الرسول ، أخبر تعالى من أين صدرت ، وأنهم (فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) ليس عندهم ، علم ولا بينة. فلما وقعوا في الشك ، وارتضوا به ، وجاءهم الحقّ الواضح ، وكانوا جازمين بإقامتهم على شكهم ، قالوا ما قالوا ، من تلك الأقوال ، لدفع الحقّ لا عن بينة من أمرهم ، وإنّما ذلك ، من باب الائتفاك منهم. ومن المعلوم ، أن من هو بهذه الصفة ، يتكلم عن شك وعناد ؛ فإن قوله ، غير مقبول ، ولا قادح أدنى قدح في الحقّ ، وأنه يتوجه عليه الذم واللوم ، بمجرد كلامه ، ولهذا توعدهم بالعذاب فقال : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أي : قالوا هذه الأقوال ، وتجرؤوا عليها ، حيث كانوا ممتعين في الدنيا ، لم يصبهم من عذاب الله شيء ، فلو ذاقوا عذابه لم يتجرؤوا.
[٩] (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (٩) فيعطون منها من شاؤوا ، ويمنعون منها من شاؤوا حيث قالوا : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) أي : هذا فضله تعالى ورحمته ، وليس ذلك بأيديهم ، حتى يتجرؤوا على الله.
[١٠] (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) بحيث يكونون قادرين على ما يريدون. (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) الموصلة لهم إلى السماء ، فيقطعوا الرحمة عن رسول الله. فكيف يتكلمون ، وهم أعجز خلق الله وأضعفهم ، بما تكلموا به؟ أم قصدهم التحزب ، والتجند ، والتعاون على نصر الباطل ، وخذلان الحقّ؟ وهو الواقع.
[١١] فإن هذا المقصود ، لا يتم لهم ، بل سعيهم خائب ، وجندهم مهزوم ولهذا قال : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) (١١) أي : كالأجناد من جنس الأحزاب المتحزبين على الأنبياء قبلك ، وأولئك قد قهروا ، وأهلكوا ، فكذلك نهلك هؤلاء.
[١٢] يحذرهم تعالى أن يفعل بهم ، ما فعل بالأمم من قبلهم ، الّذين كانوا أعظم قوة منهم ، وتحزبا على الباطل (قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ) قوم هود (وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) أي : الجنود العظيمة ، والقوة الهائلة.
[١٣] (وَثَمُودُ) قوم صالح. (وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي الأشجار والبساتين الملتفة ، وهم قوم شعيب (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) الّذين اجتمعوا بقوتهم ، وعددهم وعددهم على رد الحقّ ، فلم تغن عهم شيئا.
[١٤] (إِنْ كُلٌ) من هؤلاء (إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَ