عِقابِ) الله. وهؤلاء ما الذي يطهرهم ويزكيهم ، أن لا يصيبهم ما أصاب أولئك.
[١٥] فلينتظروا (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) (١٥) أي : من رجوع ورد ، تهلكهم وتستأصلهم ، إن أقاموا على ما هم عليه.
[١٦] أي : قال هؤلاء المكذبون ، من جهلهم ، ومعاندتهم الحقّ ، مستعجلين للعذاب. (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي : قسطنا ، وما قسم لنا من العذاب عاجلا (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) ولّجوا في هذا القول ، وزعموا أنك يا محمد ، إن كنت صادقا فعلامة صدقك ، أن تأتيهم بالعذاب. فقال الله لرسوله :
[١٧] (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) كما صبر من قبلك من الرسل ، فإن قولهم لا يضر الحقّ شيئا ، ولا يضرونك في شيء ، وإنّما يضرون أنفسهم. لما أمر الله رسوله بالصبر على قومه ، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة لله وحده ، ويتذكر حال العابدين ، كما قال في الآية الأخرى : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها). ومن أعظم العابدين ، نبي الله داود عليه الصلاة والسّلام (ذَا الْأَيْدِ) أي : القوة العظيمة على عبادة الله تعالى ، في بدنه وقلبه. (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي : رجّاع إلى الله في جميع الأمور بالإنابة إليه ، بالحب والتأله ، والخوف ، والرجاء ، وكثرة التضرع ، والدعاء. رجّاع إليه ، عند ما يقع منه بعض الخلل ، بالإقلاع والتوبة النصوح.
[١٨] ومن شدة إنابته لربه وعبادته ، أن سخّر الله الجبال معه ، تسبّح معه بحمد ربها (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) أول النهار وآخره.
[١٩] (وَ) سخر (الطَّيْرَ مَحْشُورَةً) معه مجموعة (كُلٌ) من الجبال والطير (لَهُ) تعالى (أَوَّابٌ) امتثالا لقوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) فهذه منّة الله عليه بالعبادة.
[٢٠] ثمّ ذكر منته عليه بالملك العظيم فقال : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي : قويناه بما أعطيناه من الأسباب ، وكثرة العدد والعدد الّتي بها قوّى الله ملكه. ثمّ ذكر منته عليه بالعلم فقال : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي : النبوة والعلم العظيم (وَفَصْلَ الْخِطابِ) أي : الخصومات بين الناس.
[٢١] لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس ، وكان معروفا بذلك ، ومقصودا ، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده ، في قضية جعلها الله فتنة لداود ، وموعظة لخلل ارتكبه ، فتاب الله عليه ، وغفر له ، وقيّض له هذه القضية ، فقال لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) فإنه نبأ عجيب (إِذْ تَسَوَّرُوا) على داود (الْمِحْرابَ) أي : محل عبادته من غير إذن ولا استئذان ، ولم يدخلوا عليه من باب. فلما دخلوا عليه بهذه الصورة ، فزع منهم وخاف فقالوا له :
[٢٢] نحن (خَصْمانِ) فلا تخف (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) بالظلم (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ) أي : بالعدل ، ولا تمل مع أحدنا (وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ). والمقصود من هذا ، أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحقّ الواضح الصرف وإذا كان ذلك كذلك ، فسيقصان عليه نبأهما بالحق ، فلم يشمئز نبي الله داود من وعظهما له ، ولم يؤنبهما.
[٢٣] فقال أحدهما : (إِنَّ هذا أَخِي) نص على الأخوة في الدين أو النسب ، أو الصداقة ، لاقتضائها عدم البغي ، وأن بغيه الصادر منه ، أعظم من غيره. (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) أي : زوجة ، وذلك خير كثير ، يوجب عليه القناعة بما آتاه الله. (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) فطمع فيها (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أي : دعها لي ، وخلها في كفالتي.