غفلتهم ، حتى يأتيهم يوم يندمون فيه ، ولا تنفع الندامة. «ولئلا» (تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي : في جانب حقه. (وَإِنْ كُنْتُ) في الدنيا (لَمِنَ السَّاخِرِينَ) في إتيان الجزاء ، حتى رأيته عيانا.
[٥٧] (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٥٧) و «لو» في هذا الموضع للتمني. أي : ليت أن الله هداني ، فأكون متقيا له ، فأسلم من العقاب ، وأستحق الثواب. وليست «لو» هنا شرطية ، لأنها لو كانت شرطية ، لكانوا محتجبين بالقضاء والقدر على ضلالهم ، وهي حجة باطلة ، ويوم القيامة تضمحل كل حجة باطلة.
[٥٨] (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ) وتجزم بوروده (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) أي : رجعة إلى الدنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). قال تعالى : إن ذلك غير ممكن ولا مفيد ، وإن هذه أماني باطلة ، لا حقيقة لها ، إذ لا يتجدد للعبد لو ردّ ، بيان بعد البيان الأول.
[٥٩] (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) الدالة على الحق ، دلالة لا يمترى فيها. (فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ) عن اتباعها (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ). فسؤال الرد إلى الدنيا ، نوع عبث ، (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
[٦٠] يخبر تعالى ، عن خزي الذين كذبوا عليه ، وأن وجوههم تكون يوم القيامة مسودة كأنها الليل البهيم ، يعرفهم بذلك أهل الموقف ، فالحق أبلج واضح ، كأنه الصبح. فكما سوّدوا وجه الحق بالكذب ، سود الله وجوههم ، جزاء من جنس عملهم. فلهم سواد الوجوه ، ولهم العذاب الشديد في جهنم ، ولهذا قال : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) عن الحق ، وعن عبادة ربهم ، المفترين عليه؟ بلى ، والله ، إن فيها لعقوبة وخزيا وسخطا ، يبلغ من المتكبرين كل مبلغ ، ويؤخذ الحق منهم بها. والكذب على الله يشمل الكذب عليه ، باتخاذ الشريك والولد والصاحبة ، والإخبار عنه بما لا يليق بجلاله ، أو ادعاء النبوة ، أو القول في شرعه بما لم يقله ، والإخبار بأنه قاله وشرعه.
[٦١] ولما ذكر حالة المتكبرين ، ذكر حالة المتقين فقال : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) أي : بنجاتهم ، وذلك لأن معهم آلة النجاة ، وهي تقوى الله تعالى ، التي هي العدة ، عند كل هول وشدة. (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي : العذاب الذي يسوؤهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه ، وهذا غاية الأمان. فلهم الأمن التام ، يصحبهم حتى يوصلهم إلى دار السلام. فحينئذ ، يأمنون من كل سوء ومكروه ، وتجرى عليهم نضرة النعيم. ويقولون : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
[٦٢ ـ ٦٣] يخبر تعالى عن عظمته وكماله ، الموجب لخسران من كفر به فقال : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) هذه العبارة وما أشبهها ، مما هو كثير في القرآن ، تدل على أن جميع الأشياء ـ غير الله وأسمائه وصفاته ـ مخلوقة. ففيها رد على كل من قال ، بقدم بعض المخلوقات ، كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسموات ، وكالقائلين بقدم الأرواح ، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل ، المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه. وليس كلام الله من الأشياء المخلوقة ، لأن الكلام صفة المتكلم. والله ، تعالى بأسمائه وصفاته ، أول ليس قبله شيء. فأخذ أهل الاعتزال من هذه الآية ونحوها ، أن كلام الله مخلوق ، من أعظم الجهل. فإنه تعالى ، لم يزل بأسمائه وصفاته ، ولم يحدث صفة من صفاته ،