بَعْدِهِمْ) الذين تحزبوا ، وتجمعوا على الحق ليبطلوه ، وعلى الباطل لينصروه. (وَ) أنه بلغت بهم الحال ، وآل بهم التحزب إلى أنه (هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) من الأمم (بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) أي : يقتلوه. وهذا أبلغ ما يكون للرسل ، الذين هم قادة أهل الخير ، الذين معهم الحق الصرف ، الذي لا شك فيه ، ولا اشتباه ، هموا بقتلهم. فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء ، إلا العذاب العظيم ، الذي لا يخرجون منه؟ ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية : (فَأَخَذْتُهُمْ) أي : بسبب تكذيبهم وتحزبهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) كان أشد العقاب وأفظعه ، إن هو إلا صيحة ، أو حاصب ينزل عليهم ، أو يأمر الأرض أن تأخذهم ، أو البحر أن يغرقهم ، فإذا هم خامدون.
[٦] (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : كما حقت على أولئك ، حقت عليهم كلمة الضلال ، التي نشأت عنها كلمة العذاب ، ولهذا قال : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ).
[٧] يخبر تعالى ، عن كمال لطفه بعباده المؤمنين ، وما قيض لأسباب سعادتهم ، من الأسباب الخارجة عن قدرهم ، من استغفار الملائكة المقربين لهم ، ودعائهم لهم ، بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم. وفي ضمن ذلك ، الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله ، وقربهم من ربهم ، وكثرة عبادتهم ، ونصحهم لعباد الله ، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) أي : عرش الرحمن ، الذي هو سقف المخلوقات ، وأعظمها ، وأوسعها ، وأحسنها ، وأقربها من الله تعالى ، الذي وسع الأرض والسموات ، والكرسي. وهؤلاء الملائكة ، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم ، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة ، وأعظمهم ، وأقواهم. واختيار الله إياهم ، لحمل عرشه ، وتقديمهم في الذكر ، وقربهم منه ، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة ، عليهمالسلام ، قال تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ). (وَمَنْ حَوْلَهُ) من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) هذا مدح لهم ، بكثرة عبادتهم لله تعالى ، وخصوصا ، التسبيح والتحميد. وسائر العبادات ، تدخل في تسبيح الله وتحميده ، لأنها تنزيه له ، عن كون العبد يصرفها لغيره ، وحمد له تعالى ، بل الحمد هو العبادة لله تعالى. وأما قول العبد : «سبحان الله وبحمده» فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات. (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وهذا من جملة فوائد الإيمان ، وفضائله الكثيرة جدا ، أن الملائكة الّذين يؤمنون بالله ، ولا ذنوب عليهم ، يستغفرون لأهل الإيمان ، فالمؤمن بإيمانه ، تسبب لهذا الفضل العظيم. ولما كانت المغفرة ، لها لوازم ، لا تتم إلا بها ـ غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان ، أن سؤالها وطلبها ، غايته مجرد مغفرة الذنوب ـ ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة ، بذكر ما لا تتم إلا به فقال : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) فعلمك قد أحاط بكل شيء ، ولا يخفى عليك منه خافية ، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ، ولا أكبر ، ورحمتك وسعت كلّ شيء. فالكون علويه وسفليه ، قد امتلأ برحمة الله تعالى ، ووسعتهم ، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه. (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) من الشرك والمعاصي (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) باتباع رسلك ، بتوحيدك وطاعتك. (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي : قهم العذاب نفسه ، وقهم أسباب العذاب.