[٨] (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) على ألسنة رسلك (وَمَنْ صَلَحَ) أي : صلح بالإيمان ، والعمل الصالح (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ) زوجاتهم وأزواجهن ، وأصحابهم ، ورفقائهم (وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) القاهر لكل شيء ، فبعزتك تغفر ذنوبهم ، وتكشف عنهم المحذور ، وتوصلهم بها إلى كلّ خير (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها. فلا نسألك ، يا ربنا ، أمرا تقتضي حكمتك خلافه. بل من حكمتك ، التي أخبرت بها على ألسنة رسلك ، واقتضاها فضلك ، المغفرة للمؤمنين.
[٩] (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي : جنبهم الأعمال السيئة وجزاءها ، لأنها تسوء صاحبها. (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة (فَقَدْ رَحِمْتَهُ) لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد ، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم ، فمن وقيته السيئات فقد وفقته للحسنات وجزائها الحسن. (وَذلِكَ) أي : زوال المحذور ، بوقاية السيئات ، وحصول المحبوب ، بحصول الرحمة. (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي لا فوز مثله ، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه. وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة ، كمال معرفتهم بربهم ، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى ، التي يحب من عباده ، التوسل بها إليها ، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه. فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة ، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية ، التي علم الله نقصها ، واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي ، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب ، التي قد أحاط الله بها علما ، توسلوا بالرحيم العليم. وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم ، الربوبية العامة والخاصة ، وأنه ليس لهم من الأمر شيء ، وإنّما دعاؤهم لربهم ، صدر من فقير بالذات ، من جميع الوجوه ، لا يدلي على ربه ، بحالة من الأحوال ، إن هو إلا فضل الله ، وكرمه وإحسانه. وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة ، بمحبة ما يحبه من الأعمال ، التي هي العبادات التي قاموا بها ، واجتهدوا اجتهاد المحبين ، ومن العمال ، الّذين هم المؤمنون ، الّذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه. فسائر الخلق المكلفين ، يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم. فمن محبة الملائكة لهم ، دعوا الله ، واجتهدوا في صلاح أحوالهم ، لأن الدعاء للشخص ، من أدلّ الدلائل على محبته ، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه. وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه ، وأن لا يكون المتدبر مقتصرا على مجرد معنى اللفظ بمفرده. بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ فإذا فهمه فهما صحيحا على وجهه ، نظر بعقله إلى ذلك الأمر ، والطرق الموصلة إليه ، وما لا يتم إلا به ، وما يتوقف عليه ، وجزم بأن الله أراده ، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص ، الدال عليه اللفظ. والذي يوجب الجزم له ، بأن الله أراده أمران : أحدهما : معرفته وجزمه ، بأنه من توابع المعنى ، والمتوقف عليه. والثاني : علمه بأن الله بكل شيء عليم ، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه. وقد علم تعالى ، ما يلزم من تلك المعاني ، وهو المخبر بأن كتابه هدى ، ونور ، وتبيان لكل شيء ، وأنه أفصح الكلام ، وأجلّه إيضاحا. فبذلك يحصل للعبد ، من العلم العظيم ، والخير الكثير ، بحسب ما وفقه الله له. وقد كان في تفسيرنا هذا ، كثير من هذا منّ به الله علينا. وقد يخفى في بعض الآيات ، مأخذه على غير المتأمل ، صحيح الفكرة. ونسأله تعالى ، أن يفتح علينا من خزائن رحمته ، ما يكون سببا لصلاح أحوالنا ، وأحوال المسلمين. فليس لنا ، إلا التعلق بكرمه ، والتوسّل بإحسانه ، الذي لا نزال نتقلب فيه ، في كل الآنات ، وفي جميع اللحظات. ونسأله من فضله ، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق ، لوصول رحمته ، إنه الكريم الوهاب ، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها. وتضمن ذلك ، أن المقارن ، من زوج ، وولد ، وصاحب ، يسعد بقرينه ، ويكون اتصاله به ، سببا لخير يحصل له ، خارج عن عمله ، وسبب عمله ، كما كانت الملائكة ، تدعو للمؤمنين ، ولمن صلح من آبائهم ، وأزواجهم ، وذرياتهم. وقد يقال : إنه لا بدّ من وجود صلاحهم لقوله : (وَمَنْ صَلَحَ) فحينئذ يكون ذلك ، من نتيجة عملهم ، والله أعلم.
[١٠] يخبر تعالى ، عن الفضيحة والخزي ، الذي يصيب الكافرين ، وسؤالهم الرجعة ، والخروج من النار ،