آياته ، نبه على آية عظيمة فقال : (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي : مطرا ، به ترزقون وتعيشون أنتم وبهائمكم ، وذلك يدل على أن النعم كلها منه. فمنه نعم الدين ، وهي المسائل الدينية ، والأدلة عليها ، وما يتبع ذلك ، من العمل بها. والنعم الدنيوية كلها ، كالنعم الناشئة عن الغيث ، الذي تحيا به البلاد والعباد. وهذا يدل دلالة قاطعة ، أنه وحده هو المعبود ، الذي يتعين إخلاص الدين له ، كما أنه ـ وحده ـ المنعم. (وَما يَتَذَكَّرُ) بالآيات ، حين يذكر بها (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) إلى الله تعالى ، بالإقبال على محبته ، وخشيته ، وطاعته ، والتضرع إليه. فهذا الذي ينتفع بالآيات ، وتصير رحمة في حقه ، ويزداد بها بصيرة.
[١٤] ولما كانت الآيات ، تثمر التذكر ، والتذكر يوجب الإخلاص لله ، رتب الأمر على ذلك بالفاء الدالة على السببية فقال : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة. والإخلاص ، معناه : تخليص القصد لله تعالى ، في جميع العبادات ، الواجبة والمستحبة ، حقوق الله ، وحقوق عباده. أي : أخلصوا لله تعالى ، في كلّ ما تدينونه به ، وتتقربون به إليه. (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) لذلك ، فلا تبالوا بهم ، ولا يثنكم ذلك عن دينكم ، ولا تأخذكم بالله لومة لائم ، فإن الكافرين ، يكرهون الإخلاص لله وحده ، غاية الكراهة كما قال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥).
[١٥] ثمّ ذكر من جلاله وكماله ، ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) أي : العلي الأعلى ، الذي استوى على العرش ، واختص به ، وارتفعت درجاته ارتفاعا باين به مخلوقاته ، وارتفع به قدره ، وجلّت أوصافه ، وتعالت ذاته ، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهّر وهو الإخلاص ، الذي يرفع درجات أصحابه ، ويقربهم إليه ، ويجعلهم فوق خلقه. ثمّ ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي فقال : (يُلْقِي الرُّوحَ) أي : الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد. فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش ، فالروح والقلب ، بدون روح الوحي ، لا يصلح ولا يفلح ، فهو تعالى (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم. (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهم الرسل ، الّذين فضلهم ، واختصهم لوحيه ، ودعوة عباده. والفائدة في إرسال الرسل ، هو تحصيل سعادة العباد ، في دينهم ، ودنياهم ، وآخرتهم ، وإزالة الشقاوة عنهم ، في دينهم ، ودنياهم ، وآخرتهم ، ولهذا قال : (لِيُنْذِرَ) من ألقى إليه الوحي (يَوْمَ التَّلاقِ) أي : يخوف العباد بذلك ، ويحثهم على الاستعداد له ، بالأسباب المنجية مما يكون فيه. وسماه «يوم التلاق» لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق ، والمخلوقون بعضهم مع بعض ، والعاملون ، وأعمالهم وجزاؤهم.
[١٦] (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) أي : ظاهرون على الأرض ، وقد اجتمعوا في صعيد واحد ، لا عوج ولا أمت فيه ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر. (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) لا من ذواتهم ، ولا من أعمالهم ، ولا من جزاء تلك الأعمال. (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) أي : من هو المالك لذلك اليوم العظيم ، الجامع للأولين والآخرين ، أهل السموات وأهل الأرض الذي ، انقطعت فيه الشركة في الملك ، وتقطعت الأسباب ، ولم يبق إلا الأعمال الصالحة أو السيئة؟ الملك (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) أي : المنفرد في ذاته وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، فلا شريك له في شيء منها ، بوجه من الوجوه. (الْقَهَّارِ) لجميع المخلوقات ، الذي دانت له المخلوقات ، وذلت وخضعت ، خصوصا في ذلك اليوم ، الذي عنت فيه الوجوه للحي القيوم ، يومئذ لا تكلّم نفس إلا بإذنه.
[١٧] (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) في الدنيا ، من خير وشر ، قليل وكثير. (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) على أحد ، بزيادة في سيئاته ، أو نقص في حسناته. (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي : لا تستبطئوا ذلك اليوم ، فإنه آت ، وكلّ آت قريب. وهو أيضا سريع المحاسبة لعباده يوم القيامة ، لإحاطة علمه وكمال قدرته.
[١٨] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) أي : يوم القيامة التي قد أزفت وقربت ، وآن الوصول