من الإيمان ، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص ، والمتابعة. (لَهُمْ أَجْرٌ) أي : عظيم (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي : غير مقطوع ولا نافد ، بل هو مستمر مدى الأوقات ، متزايد على الساعات ، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات.
[٩] ينكر تعالى ويعجّب ، من كفر الكافرين به ، الّذين جعلوا معه أندادا يشركونهم معه ، ويبذلون لهم ما يشاءون من عباداتهم ، ويسوونهم بالرب العظيم ، الملك الكريم ، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة ، في يومين ، ثمّ دحاها في يومين ، بأن جعل فيها رواسي من فوقها ، ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار.
[١٠] فكمل خلقها ، ودحاها ، وأخرج أقواتها ، وتوابع ذلك (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) عن ذلك ، فلا ينبئك مثل خبير. فهذا هو الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص.
[١١] (ثُمَ) بعد أن خلق الأرض (اسْتَوى) أي : قصد (إِلَى) خلق (السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) قد ثار على وجه الماء. (فَقالَ لَها) ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص ، عطف عليه بقوله : (وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي : انقادا لأمري ، طائعتين أو مكرهتين ، فلا بد من نفوذه. (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) أي : ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.
[١٢] (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فتمّ خلق السموات والأرض في ستة أيام ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، مع أن قدرة الله ومشيئته ، صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة. ولكن مع أنه قدير ، فهو حكيم رفيق. فمن حكمته ورفقه ، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة. واعلم أن ظاهر هذه الآية ، مع قوله تعالى في النازعات ، لما ذكر خلق السموات قال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣٠) يظهر منها التعارض ، مع أن كتاب الله ، لا تعارض فيه ولا اختلاف. والجواب عن ذلك ، ما قاله كثير من السلف ، أن خلق الأرض وصورتها ، متقدم على خلق السموات كما هنا ، ودحا الأرض بأن (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣٢) متأخر عن خلق السموات كما في سورة النازعات ، ولهذا قال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها) إلى آخره ولم يقل : «والأرض بعد ذلك خلقها». وقوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي : الأمر والتدبير اللائق بها ، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين. (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) هي : النجوم ، يستنار بها ، ويهتدى ، وتكون زينة وجمالا ، للسماء ظاهرا. (وَحِفْظاً) لها ، باطنا ، يجعلها رجوما للشياطين ، لئلا يسترق السمع فيها ، (ذلِكَ) المذكور ، من الأرض وما فيها ، والسماء وما فيها (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الذي عزته ، قهر بها الأشياء ودبرها ، وخلق بها المخلوقات. (الْعَلِيمِ) الذي أحاط علمه بالمخلوقات ، الغائب والشاهد.
[١٣] فترك المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار ، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره ، من أعجب الأشياء. واتخاذهم له أندادا يسوونهم به ، وهم ناقصون في أوصافهم ، وأفعالهم ، أعجب وأعجب. ولا دواء لهؤلاء ، إن استمر إعراضهم ، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية. فلهذا خوفهم بقوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) إلى قوله : (كافِرُونَ). أي : فإن أعرض هؤلاء المكذبون ، بعد ما بيّن لهم من أوصاف القرآن الحميدة ،