ومن صفات الإله العظيم (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) أي : عذابا يستأصلكم ويجتاحكم. (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) القبيلتين المعروفتين ، حيث اجتاحهم العذاب ، وحلّ عليهم وبيل العقاب ، وذلك بظلمهم وكفرهم.
[١٤] (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي : يتبع بعضهم بعضا متوالين ، ودعوتهم جميعا واحدة. (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي : يأمرونهم بالإخلاص لله ، وينهونهم عن الشرك. فردوا رسالتهم وكذبوهم و (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أي : وأما أنتم فبشر مثلنا (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين ، من الأمم ، وهي من أوهى الشّبه. فإنه ليس من شرط الإرسال ، أن يكون المرسل ملكا. وإنّما شرط الرسالة ، أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه. فليقدحوا إن استطاعوا بصدقهم ، بقادح عقلي أو شرعي ، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا.
[١٥] هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين ، عاد ، وثمود. (فَأَمَّا عادٌ) فكانوا ـ مع كفرهم بالله ، وجحودهم بآيات الله ، وكفرهم برسله ـ مستكبرين في الأرض ، قاهرين لمن حولهم من العباد ، ظالمين لهم ، قد أعجبتهم قوتهم. (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) قال تعالى ردا عليهم ، بما يعرفه كل أحد : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فلو لا خلقه إياهم ، لم يوجدوا. فلو نظروا إلى هذه الحال نظرا صحيحا ، لم يغتروا بقوتهم. فعاقبهم الله عقوبة ، تناسب قوتهم ، التي اغتروا بها.
[١٦] (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي : ريحا عظيمة ، من قوّتها وشدتها ، لها صوت مزعج ، كالرعد القاصف. فسخرها الله عليهم (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ). فدمرتهم وأهلكتهم ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. وقال هنا : (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الذي اختزوا به وافتضحوا بين الخليقة. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أي : لا يمنعون من عذاب الله ، ولا ينفعون أنفسهم.
[١٧] (وَأَمَّا ثَمُودُ) وهم القبيلة المعروفة الّذين سكنوا الحجر وحواليه ، الّذين أرسل الله إليهم صالحا عليهالسلام ، يدعوهم إلى توحيد ربهم ، وينهاهم عن الشرك. وآتاهم الله الناقة ، آية عظيمة ، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم ، يشربون لبنها يوما ، ويشربون من الماء يوما ، وليسوا ينفقون عليها ، بل تأكل من أرض الله. ولهذا قال هنا : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) أي : هداية بيان. وإنّما نص عليهم ، وإن كان جميع الأمم المهلكة ، قد قامت عليهم الحجة ، وحصل لهم البيان ، لأن آية ثمود آية باهرة ، قد رآها صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وكانت آية مبصرة ، فلهذا خصهم بزيادة البيان والهدى. ولكنهم ـ من ظلمهم وشرهم ـ استحبوا العمى ـ الذي هو الكفر والضلال ـ على الهدى ، الذي هو : العلم والإيمان. (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) لا ظلما من الله لهم.
[١٨] (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (١٨) أي : نجّى الله صالحا عليهالسلام ، ومن اتبعه من المؤمنين المتقين للشرك ، والمعاصي.
[١٩] يخبر تعالى عن أعدائه ، الّذين بارزوه بالكفر بآياته ، وتكذيب رسله ، ومعاداتهم ، ومحاربتهم ، وحالهم