يقلعون عن ذنوبهم ، ويندمون عليها ، ويعزمون على أن لا يعاودوها ، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم ، فإن الله يقبلها ، بعد ما انعقدت سببا للهلاك ، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية. (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) ويمحوها ، ويمحو أثرها من العيوب ، وما اقتضته من العقوبات. ويعود التائب عنده كريما ، كأنه ما عمل سوءا قط ، ويحبه ، ويوفقه لما يقرّبه إليه. ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة ، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها ، وقد تكون ناقصة عند نقصهما ، وقد تكون فاسدة ، إذا كان القصد منها ، بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية ، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلّا الله ، ختم هذه الآية بقوله : (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ).
[٢٦] فالله تعالى ، دعا جميع العباد إلى الإنابة إليه ، والتوبة من التقصير ، فانقسموا ـ بحسب الاستجابة له ـ إلى قسمين : مستجيبين وصفهم بقوله : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : يستجيبون لربهم ، لما دعاهم إليه وينقادون له ، ويلبون دعوته ، لأن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح ، يحملهم على ذلك. فإذا استجابوا له ، شكر الله لهم ، وهو الغفور الشكور. (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) توفيقا ونشاطا على العمل ، وزادهم مضاعفة في الأجر ، زيادة عن ما تستحقه أعمالهم من الثواب والفوز العظيم. وأما غير المستجيبين لله (وَ) هم المعاندون (الْكافِرُونَ) به وبرسله ، فإنهم (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) في الدنيا والآخرة.
[٢٧] ثمّ ذكر أن من لطفه بعباده ، أنه لا يوسع عليهم الدنيا سعة ، تضر بأديانهم فقال : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي : لغفلوا عن طاعة الله ، وأقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا ، فأوجبت لهم الانكباب على ما تشتهيه نفوسهم ، ولو كان معصية وظلما. (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) بحسب ما اقتضاه لطفه وحكمته (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) كما في بعض الآثار أن الله تعالى يقول : «إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلّا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلّا الصحة ، ولو أمرضته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلّا المرض ولو عافيته لأفسده ذلك ، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم ، إني خبير بصير».
[٢٨] (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي : المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد. (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) وانقطع عنهم مدة ، وظنوا أنه لا يأتيهم ، وأيسوا وعملوا لذلك الجدب أعمالا ، فينزل الله الغيث (وَيَنْشُرُ) به (رَحْمَتَهُ) من إخراج الأقوات للآدميين ، وبهائمهم ، فيقع عندهم موقعا عظيما ، ويستبشرون بذلك ويفرحون. (وَهُوَ الْوَلِيُ) الذي يتولى عباده ، بأنواع التدبير ، ويتولي القيام بمصالح دينهم ودنياهم. (الْحَمِيدُ) في ولايته وتدبيره ، الحميد على ما له من الكمال ، وما أوصله إلى خلقه ، من أنواع الأفضال.
[٢٩] (وَمِنْ آياتِهِ) أي : ومن أدلة قدرته العظيمة ، وأنه سيحيي الموتى بعد موتهم. (خَلْقُ) هذه (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على عظمهما وسعتهما ، الدال على قدرته ، وسعة سلطانه ، وما فيهما من الإتقان والإحكام ، دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح ، دال على رحمته ، وذلك يدل على أنه المستحق لأنواع العبادة كلها ، وأن إلهية ما سواه باطلة. (وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) أي : ما نشر في السموات والأرض من أصناف الدواب التي جعلها الله