اشتراككم في العذاب ، أنتم وقرناؤكم ، وأخلاؤكم. وذلك لأنكم اشتركتم في الظلم ، فاشتركتم في عقابه وعذابه. ولن ينفعكم أيضا ، روح التسلي في المصيبة فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا ، واشترك فيها المعاقبون ، هان عليهم بعض الهون ، وتسلّى بعضهم ببعض. وأما مصيبة الآخرة ، فإنها جمعت كل عقاب ، ما فيه أدنى راحة ، حتى ولا هذه الراحة. نسألك يا ربنا العافية ، وأن تريحنا برحمتك.
[٤٠] يقول تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، مسليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له ، وأنهم لا خير فيهم ، ولا فيهم زكاء يدعوهم إلى الهدى : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) أي : الّذين لا يسمعون (أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) الّذين لا يبصرون. (وَ) تهدي (مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : بيّن واضح ، لعلمه بضلاله ، ورضاه به. فكما أن الأصم لا يسمع الأصوات ، والأعمى لا يبصر ، والضال ضلالا مبينا لا يهتدي. فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم ، بإعراضهم عن الذكر ، واستحدثوا عقائد فاسدة ، وصفات خبيثة ، تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى ، وتوجب لهم الازدياد من الردى. فهؤلاء لم يبق إلّا عذابهم ونكالهم ، إما في الدنيا ، أو في الآخرة ، ولهذا قال تعالى :
[٤١] (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) (٤١) أي : فإن ذهبنا بك قبل أن نريك ما نعدهم من العذاب ، فاعلم بخبرنا الصادق ، أنّا منهم منتقمون.
[٤٢] (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) من العذاب (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله أو تأخيره. فهذه حالك ، وحال هؤلاء المكذبين.
[٤٣] وأما أنت (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) فعلا واتصافا ، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه ، وحرصا على تنفيذه بنفسك وفي غيرك. (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) موصل إلى الله وإلى دار كرامته. وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء. إذا علمت أنه حق ، وعدل ، وصدق ، تكون بانيا على أصل أصيل ، إذا بنى غيرك على الشوك والأوهام ، والظلم والجور.
[٤٤] (وَإِنَّهُ) أي : هذا القرآن الكريم (لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي : فخر لكم ، ومنقبة جليلة ، ونعمة لا يقادر قدرها ، ولا يعرف وصفها ، ويذكركم أيضا ما فيه من الخير الدنيوي والأخروي ، ويحثكم عليه ، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه. (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) عنه ، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم ، أم لم تقوموا به؟ فيكون حجة عليكم ، وكفرا منكم بهذه النعمة.
[٤٥] (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) حتى يكون للمشركين نوع حجة ، يتبعون فيها أحدا من الرسل. فإنك لو سألتهم ، واستخبرت عن أحوالهم ، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله ، وأن كل الرسل ، من أولهم إلى آخرهم ، يدعون إلى عبادة الله ، وحده لا شريك له. قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) وكل رسول بعثه الله ، يقول لقومه : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. فدل هذا ، أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم ، لا من عقل صحيح ، ولا نقل عن الرسل.
[٤٦] لما قال تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) بيّن تعالى حال موسى ودعوته ، الّتي هي أشهر ما يكون من دعوات الرسل ، ولأن الله تعالى ، أكثر من ذكرها في كتابه ، فذكر حاله