فمهما قال اتبعوه ، من حق وباطل. (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) فسبب فسقهم ، قيض لهم فرعون ، يزين لهم الشرك والشر.
[٥٥ ـ ٥٦] (فَلَمَّا آسَفُونا) أي : أغضبونا بأفعالهم (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٥٦) ليعتبر بهم المعتبرون ويتعظ بأحوالهم المتعظون.
[٥٧] يقول تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) أي : نهي عن عبادته ، وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الأصنام والأنداد. (إِذا قَوْمُكَ) المكذبون لك (مِنْهُ) أي : من أجل هذا المثل المضروب. (يَصِدُّونَ) أي : يلجون في خصومتهم لك ، ويصيحون ، ويزعمون أنهم قد غلبوا في حجتهم ، وأفلحوا.
[٥٨] (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) يعني : عيسى ، حيث نهى عن عبادة الجميع ، وشورك بينهم بالوعيد على من عبدهم ، ونزل أيضا قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨). ووجه حجتهم الظالمة ، أنهم قالوا : قد تقرر عندنا وعندك يا محمد ، أن عيسى من عباد الله المقربين ، الّذين لهم العاقبة الحسنة ، فلم سويت بينه وبين معبوداتنا ، في النهي عن عبادة الجميع؟ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض. ولو قلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨). وهذا اللفظ بزعمهم ، يعم الأصنام ، وعيسى ، فهل هذا إلّا تناقض؟ وتناقض الحجة ، دليل على بطلانها. هذا أقصى ما يقرون به هذه الشبهة ، الّتي فرحوا بها ، واستبشروا ، وجعلوا يصدون ويتباشرون. وهي ـ ولله الحمد ـ من أضعف الشبه وأبطلها ، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح ، وبين النهي عن عبادة الأصنام ، لأن العبادة ، حق لله تعالى ، لا يستحقها أحد من الخلق ، لا الملائكة المقربون ، ولا الأنبياء المرسلون ، ولا من سواهم من الخلق. فأي شبهة ، في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره؟
[٥٩] وليس في تفضيل عيسى عليهالسلام ، وكونه مقربا عند ربه ما يدل على الفرق بينه وبينها ، في هذا الموضع. وإنّما هو كما قال تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) بالنبوة والحكمة والعلم والعمل (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يعرفون به قدرة الله تعالى على إيجاده من دون أب. وأما قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) فالجواب عنها من ثلاثة أوجه : أحدها : أن قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أن «ما» اسم لما لا يعقل ، لا يدخل فيه المسيح ونحوه. الثاني : أن الخطاب للمشركين ، الّذين بمكة وما حولها ، وهم إنّما يعبدون أصناما وأوثانا. الثالث : أن الله قال بعد هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١٠١). فلا شك أن عيسى وغيره من الأنبياء والأولياء ، داخلون في هذه الآية.
[٦٠] ثمّ قال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (٦٠) أي : لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الأرض ، ويكونون في الأرض حتى نرسل إليهم ملائكة من جنسهم. وأما أنتم يا معشر البشر ، فلا تطيقون أن ترسل إليكم الملائكة. فمن رحمة الله بكم ، أن أرسل إليكم رسلا من جنسكم ، تتمكنون من الأخذ عنهم.
[٦١] (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) أي : وإن عيسى عليهالسلام ، لدليل على الساعة ، وأن القادر على إيجاده ، من أم بلا