والأخروي ، فالمهتدون اهتدوا به ، فأفلحوا وسعدوا. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) الواضحة القاطعة ، الّتي لا يكفر بها إلا من اشتد ظلمه ، وتضاعف طغيانه (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ).
[١٢ ـ ١٣] يخبر تعالى عن فضله على عباده وإحسانه إليهم ، بتسخير البحر لسير المراكب والسفن بأمره وتيسيره. (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بأنواع التجارات والمكاسب. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله تعالى ، فإنكم إذا شكرتموه ، زادكم من نعمه وأثابكم على شكركم أجرا جزيلا. (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) ، أي : من فضله وإحسانه. وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض ، ولما أودع الله فيهما ، من الشمس والقمر ، والكواكب ، والثوابت ، والسيارات ، وأنواع الحيوانات ، وأصناف الأشجار والثمرات ، وأجناس المعادن ، وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ، ومصالح ما هو من ضروراته ، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته ، وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه ، ولهذا قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وجملة ذلك أن خلقها وتدبيرها وتسخيرها ، دالّ على نفوذ مشيئة الله ، وكمال قدرته. وما فيها من الإحكام والإتقان ، وبديع الصنعة ، وحسن الخلقة ، دالّ على كمال حكمته وعلمه. وما فيها من السعة والعظمة والكثرة ، دال على سعة ملكه وسلطانه. وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات ، دليل على أنه الفعّال لما يريد. وما فيها من المنافع ، والمصالح الدينية والدنيوية ، دليل على سعة رحمته ، وشمول فضله وإحسانه ، وبديع لطفه وبره. وكل ذلك دال على أنه وحده ، المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له ، وأن رسله صادقون فيما جاؤوا به. فهذه أدلة عقلية واضحة ، لا تقبل ريبا ولا شكا.
[١٤] يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق ، والصبر على أذية المشركين به ، الّذين لا يرجون أيام الله ، أي : لا يرجون ثوابه ، ولا يخافون وقائعه في العاصين ، فإنه تعالى سيجزي كل قوم بما يكسبون. فأنتم يا معشر المؤمنين ، يجزيكم على إيمانكم ، وصفحكم وصبركم ، ثوابا جزيلا.
[١٥] وهم ـ إن استمروا على تكذيبهم ـ فلا يحل بكم ما حلّ بهم من العذاب الشديد والخزي ، ولهذا قال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١٥).
[١٦] أي : ولقد أنعمنا على بني إسرائيل نعما لم تحصل لغيرهم من الناس ، وآتيناهم (الْكِتابَ) ، أي : التوراة والإنجيل ، (وَالْحُكْمَ) بين الناس ، (وَالنُّبُوَّةَ) الّتي امتازوا بها ، وصارت النبوة في ذرية إبراهيم عليهالسلام ، أكثرهم من بني إسرائيل. (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من المآكل والمشارب والملابس ، وإنزال المن والسلوى عليهم. (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ، أي : على الخلق بهذه النّعم ، ويخرج من هذا العموم اللفظي ، هذه الأمة ، فإنهم خير أمة أخرجت للناس. والسياق يدل على أن المراد غير هذه الأمة ، فإن الله يقص علينا ما امتن به على بني إسرائيل ، وميزهم على غيرهم. وأيضا فإن الفضائل الّتي فاق بها بنو إسرائيل من الكتاب ، والحكم ، والنبوة ، وغيرها من النعوت ، قد حصلت كلها لهذه الأمة ، وزادت عليهم هذه الأمة فضائل كثيرة ، فهذه الشريعة ، شريعة بني إسرائيل جزء منها ، فإن هذا الكتاب مهيمن على سائر الكتب السابقة ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم مصدق لجميع المرسلين.