[١٧] (وَآتَيْناهُمْ) ، أي : آتينا بني إسرائيل (بَيِّناتٍ) ، أي : دلالات تبين الحق من الباطل (مِنَ الْأَمْرِ) القدري ، الذي أوصله الله إليهم. وتلك الآيات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليهالسلام. فهذه النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل ، تقتضي الحال أن يقوموا بها على أكمل الوجوه ، وأن يجتمعوا على الحق ، الذي بينه الله لهم ، ولكن انعكس الأمر ، فعاملوها بعكس ما يجب. وافترقوا فيما أمروا بالاجتماع به ، ولهذا قال : (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) ، أي : الموجب لعدم الاختلاف ، وإنما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض ، والظلم. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فيميز المحق من المبطل ، والذي حمله على الاختلاف ، الهوى وغيره.
[١٨] أي : ثمّ شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير ، وتنهى عن كل شر ، من أمرنا الشرعي (فَاتَّبِعْها) ، فإن في اتباعها السعادة الأبدية ، والصلاة والفلاح. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : الّذين تكون أهويتهم ، غير تابعة للعلم ، ولا ماشية خلفه ، وهم كل من خالف شريعة الرسول صلىاللهعليهوسلم هواه وإرادته ، فإنه من أهواء الّذين لا يعلمون.
[١٩] (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، أي : لا ينفعونك عند الله ، فيحصلوا لك الخير ، ويدفعوا عنك الشر ، إن اتبعتهم على أهوائهم ، ولا يصلح أن توافقهم وتواليهم ، فإنك وإياهم متباينون. (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب تقواهم وعملهم بطاعته.
[٢٠] أي (هذا) القرآن الكريم والذكر الحكيم (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) ، أي : تحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس ، فيحصل به الانتفاع للمؤمنين. (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فيهتدون به إلى الصراط المستقيم ، في أصول الدين وفروعه ، ويحصل به الخير والسرور ، والسعادة في الدنيا والآخرة ، وهي الرحمة ، فتزكو به نفوسهم ، وتزداد به عقولهم ، ويزيد به إيمانهم ويقينهم ، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند.
[٢١] أي : أم حسب المسيئون ، المكثرون من الذنوب ، المقصرون في حقوق ربهم. (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بأن قاموا بحقوق ربهم ، واجتنبوا مساخطه ، ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم؟ أي : أحسبوا أن يكونوا (سَواءً) في الدنيا والآخرة؟ ساء ما ظنوا وحسبوا ، وساء ما حكموا به فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين ، وخير العادلين ، ويناقض العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، ويضاد ما نزلت به الكتب ، وأخبرت به الرسل. بل الحكم الواقع القطعي ، أن المؤمنين العاملين الصالحات ، لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب ، في العاجل والآجل ، كل على قدر إحسانه ، وأن المسيئين لهم الغضب والإهانة ، والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة.
[٢٢] أي : خلق الله السماوات والأرض بالحكمة ، وليعبد وحده لا شريك له. ثمّ يحاسب بعد ذلك من أمرهم بعبادته ، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة هل شكروا الله تعالى ، وقاموا بالمأمور؟ أم كفروا ، فاستحقوا جزاء الكفور؟