[٣٠] ولهذا فصل ما يفعل الله بالفريقين فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إيمانا صحيحا ، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة ، من واجبات ومستحبات (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) الّتي محلها الجنة ، وما فيها من النعيم المقيم ، والعيش السليم. (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) ، أي : المفاز والنجاة والربح ، والفلاح الواضح البيّن الذي إذا حصل للعبد ، حصل له كل خير ، واندفع عنه كل شر.
[٣١] (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ، فيقال لهم توبيخا وتقريعا : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم ، ونهتكم عما فيه ضرركم ، وهي أكبر نعمة وصلت إليكم ، لو وفقتم لها. (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) عنها ، وأعرضتم ، وكفرتم بها ، فجنيتم أكبر جناية ، وأجرمتم أشد الجرم ، فاليوم تجزون ما كنتم تعملون.
[٣٢] ويوبخون أيضا بقوله : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ) منكرين لذلك : (ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ).
[٣٣] فهذه حالهم في الدنيا ، وحال البعث الإنكار له ، وردوا قول من جاء به ، قال تعالى : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) ، أي : وظهر لهم يوم القيامة عقوبات أعمالهم. (وَحاقَ بِهِمْ) ، أي : نزل (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، أي : نزل بهم العذاب ، الذي كانوا في الدنيا ، يستهزئون بوقوعه ، وبمن جاء به.
[٣٤] (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) ، أي : نترككم في العذاب (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ، فإن الجزاء من جنس العمل (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) ، أي : هي مقركم ومصيركم. (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونكم من عذاب الله ، ويدفعون عنكم عقابه.
[٣٥] (ذلِكُمْ) الذي حصل لكم من العذاب (ب) سبب أنكم (اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) مع أنها موجبة للجد والاجتهاد ، وتلقيها بالسرور والاستبشار والفرح. (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بزخارفها ولذاتها وشهواتها ، فاطمأننتم إليها ، وعملتم لها ، وتركتم العمل للدار الباقية. (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، أي : ولا يمهلون ، ولا يردون إلى الدنيا ليعملوا صالحا.
[٣٦] (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه (رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، أي : له الحمد على ربوبيته لسائر الخلق ، حيث خلقهم ورباهم ، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة.
[٣٧] (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : له الجلال والعظمة والمجد. فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال ، ومحبته تعالى وإكرامه ، والكبرياء فيها عظمته وجلاله ، والعبادة مبنية على ركنين ، محبة الله ، والذل له ، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القاهر لكل شيء ، (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها ، فلا يشرع ما يشرعه إلا لحكمة ومصلحة ، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة.