اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). وكل رسول قال لقومه : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ). فعلم أن جدال المشركين في شركهم ، غير مستندين إلى برهان ولا دليل ، وإنّما اعتمدوا على ظنون كاذبة ، وآراء كاسدة ، وعقول فاسدة. يدلّك على فسادها استقراء أحوالهم ، وتتبع علومهم وأعمالهم ، والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته ، هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة؟
[٥] ولهذا قال تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، أي : مدة مقامه في الدنيا ، لا ينتفع به مثقال ذرة ، (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ). لا يسمعون منهم دعاء ، ولا يجيبون لهم نداء ، هذا حالهم في الدنيا. ويوم القيامة يكفرون بشرككم.
[٦] (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً) يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض (وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ).
[٧] (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) ، أي : على المكذبين (آياتُنا بَيِّناتٍ) بحيث تكون على وجه ، لا يمترى بها ، ولا يشك في وقوعها وحقها ، لم تفدهم خيرا ، بل قامت عليهم بذلك الحجة. ويقولون من إفكهم وافترائهم (لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، أي : ظاهر لا شك فيه ، وهذا من باب قلب الحقائق ، الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول ، وإلا فبين الحقّ الذي جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وبين السحر من المنافاة والمخالفة ، أعظم مما بين السماء والأرض. وكيف يقاس الحقّ الذي علا وارتفع ارتفاعا على الأفلاك ، وفاق بضوئه ونوره نور الشمس ، وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه ، وأقرت به وأذعنت ، أولو البصائر والعقول الرزينة ، كيف يقاس الحقّ الذي هذا شأنه بالباطل الذي هو السحر ، الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس ، خبيث العمل؟ فهو مناسب له وموافق لحاله ، وهل هذا إلا من البهرجة؟
[٨] (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، أي : افترى محمد هذا القرآن من عند نفسه ، فليس هو من عند الله. (قُلْ) لهم : (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) فالله عليّ قادر وبما تفيضون فيه عالم ، فكيف لم يعاقبني على افترائي ، الذي زعمتم؟ (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) إن أرادني الله بضر ، أو أرادني برحمة (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فلو كنت متقولا عليه ، لأخذ مني باليمين ، ولعاقبني عقابا يراه كل أحد ، لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولا. ثمّ دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحقّ ومخاصمته ، فقال : (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، أي : فتوبوا إليه ، وأقلعوا عما أنتم فيه ، يغفر لكم ذنوبكم ، ويرحمكم ، فيوفقكم للخير ، ويثيبكم جزيل الأجر.
[٩] (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) ، أي : لست بأول رسول جاءكم ، حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي ، فقد تقدم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم ، فلأي شيء تنكرون رسالتي؟ (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، أي : لست إلا بشرا ، ليس بيدي من الأمر شيء ، والله تعالى المتصرف بي وبكم ، الحاكم عليّ وعليكم. (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ولست آتي بالشيء من عندي ، (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، فإن قبلتم رسالتي ، وأجبتم دعوتي ، فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة ، وإن رددتم ذلك عليّ ، فحسابكم على الله ، وقد أنذرتكم ، ومن أنذر فقد