أعذر.
[١٠] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) ، أي : أخبروني ، لو كان هذا القرآن من عند الله ، وشهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب ، الّذين عندهم من الحقّ ما يعرفون أنه الحقّ ، فآمنوا به واهتدوا ، فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء ، واستكبرتم ، أيها الجهلاء الأغبياء ، فهل هذا إلا أعظم الظلم وأشد الكفر؟ (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ومن الظلم الاستكبار عن الحقّ بعد التمكن منه.
[١١] أي : قال الكفار بالحق معاندين له ، ورادّين لدعوته : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ، أي : ما سبقنا إليه المؤمنون ، وكنا أول مبادر به ، وسابق إليه ، وهذا من البهرجة في مكان. فأيّ دليل يدل على أن علامة الحقّ سبق المكذبين به للمؤمنين؟ هل هم أزكى نفوسا؟ أم أكمل عقولا؟ أم الهدى بأيديهم؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم ، يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ، ثمّ طفق يذمه ، ولهذا قال : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) ، أي : هذا السبب الذي دعاهم إليه ، أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن ، وفاتهم أعظم المواهب ، وأجل الرغائب ، قدحوا فيه ، بأنه كذب ، وهو الحقّ الذي لا شك فيه ، ولا امتراء يعتريه.
[١٢] (وَ) قد وافق الكتب السماوية (مِنْ قَبْلِهِ) خصوصا ، أكملها وأفضلها بعد القرآن ، وهي التوراة (كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) ، أي : يقتدي بها بنو إسرائيل ، ويهتدون بها ، ويحصل لهم خير الدنيا والآخرة. (وَهذا) القرآن (كِتابٌ مُصَدِّقٌ) للكتب السابقة ، شهد بصدقها ، وصدّقها ، بموافقته لها ، وجعله الله (لِساناً عَرَبِيًّا) ليسهل تناوله ، ويتيسر تذكّره. (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان ، إن استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل. (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) في عبادة الخالق ، وفي نفع المخلوقين ، بالثواب الجزيل ، وفي الدنيا والآخرة ، ويذكر الأعمال الّتي ينذر عنها ، والأعمال الّتي يبشر بها.
[١٣] أي : إن الّذين أقروا بربهم ، وشهدوا له بالوحدانية ، والتزموا طاعته وداموا على ذلك (ثُمَّ اسْتَقامُوا) مدة حياتهم (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من كل شر أمامهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما خلّفوا وراءهم.
[١٤] (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) ، أي : أهلها الملازمون لها ، الّذين لا يبغون عنها حولا ، ولا يريدون بها بدلا. (خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الإيمان بالله ، المقتضي للأعمال الصالحة الّتي استقاموا عليها.
[١٥] هذا من لطفه تعالى بعباده ، وشكره للوالدين أن وصّى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف ، والكلام اللين ، وبذل المال والنفقة ، وغير ذلك ، من وجوه الإحسان. ثمّ نبّه على ذكر السبب الموجب لذلك ، فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ، ثمّ مشقة ولادتها ، المشقة الكبيرة ، ثمّ مشقة الرضاع وخدمة الحضانة. وليست المذكورات مدة يسيرة ، ساعة أو ساعتين ، وإنّما ذلك ، أي : (حَمْلُهُ وَفِصالُهُ) مدة طويلة قدرها (ثَلاثُونَ شَهْراً) : الحمل تسعة أشهر ونحوها ، والباقي للرضاع ، هذا هو الغالب. ويستدل بهذه الآية مع قوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، لأن مدة الرضاع ـ وهي سنتان ـ إذا