اقترفوه من المحادّة لله ولرسوله. (وَلَعَنَهُمْ) ، أي : أبعدهم وأقصاهم عن رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).
[٧] كرر الإخبار بأن له ملك السماوات والأرض وما فيهما من الجنود ، ليعلم العباد أنه تعالى هو المعز المذل ، وأنه سينصر جنوده المنسوبة إليه ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (١٧٣). (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ، أي : قويا غالبا ، قاهرا لكل شيء. ومع عزته وقوته ، حكيم في خلقه وتدبيره ، يجري على ما تقتضيه حكمته وإتقانه.
[٨] أي : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) أيها الرسول الكريم (شاهِداً) لأمتك بما فعلوه من خير وشر ، وشاهدا على المقالات والمسائل ، حقها وباطلها ، وشاهدا لله تعالى بالوحدانية والانفراد بالكمال ، من كل وجه. (وَمُبَشِّراً) من أطاعك ، وأطاع الله بالثواب الدنيوي والديني ، والأخروي ، (وَنَذِيراً) لمن عصى الله ، بالعقاب العاجل والآجل. ومن تمام البشارة والنذارة ، بيان الأعمال والأخلاق ، الّتي يبشر بها وينذر ، فهو المبين للخير والشر ، والسعادة والشقاوة ، والحقّ من الباطل.
[٩] ولهذا رتب على ذلك قوله : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ، أي : بسبب دعوة الرسول لكم ، وتعليمه لكم ما ينفعكم ، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله ، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور. (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) ، أي : تعزروا الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتوقروه ، أي : تعظموه وتجلوه ، وتقوموا بحقوقه ، كما كانت له المنة العظيمة في رقابكم. (وَتُسَبِّحُوهُ) ، أي : تسبحوا لله (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أول النهار وآخره ، فذكر الله في هذه الآية الحقّ المشترك بين الله وبين رسوله ، وهو الإيمان بهما ، والمختص بالرسول ، وهو : التعزير والتوقير ، والمختص بالله ، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.
[١٠] هذه المبايعة الّتي أشار الله إليها هي «بيعة الرضوان» الّتي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على أن لا يفروا عنه ، فهي عقد خاص ، من لوازمه : أن لا يفروا ، ولو لم يبق منهم إلا القليل ، ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها. فأخبر تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) حقيقة الأمر أنهم (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ، ويعقدون العقد معه ، حتى إنه من شدة تأكده أنه قال : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ، أي : كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة ، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية ، وحملهم على الوفاء بها ، ولهذا قال : (فَمَنْ نَكَثَ) فلم يف بما عاهد الله عليه (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) ، لأن وبال ذلك راجع إليه ، وعقوبته واصلة له. (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) ، أي : أتى به كاملا موفرا. (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ، لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه.
[١١] يذم تعالى المتخلفين عن رسول الله ، في الجهاد في سبيله ، من الأعراب ، الّذين ضعف إيمانهم ، وكان في قلوبهم مرض ، وسوء ظن بالله تعالى ، وأنهم سيعتذرون ، بأن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن الخروج في سبيله. وأنهم طلبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لهم ، قال الله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فإن طلبهم الاستغفار من رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدل على ندمهم ، وإقرارهم على أنفسهم بالذنب ، وأنهم تخلفوا تخلفا يحتاج إلى توبة واستغفار. فلو لا هذا الذي في قلوبهم ، لكان استغفار الرسول نافعا لهم ، لأنهم قد تابوا وأنابوا ، ولكن الذي في قلوبهم ، أنهم