العبد ، عن الخروج إلى الجهاد ، فقال : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) ، أي : في التخلف عن الجهاد لعذرهم المانع. (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في امتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين. (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن طاعة الله ورسوله (يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) ، فالسعادة كلها في طاعة الله والشقاوة في معصيته ومخالفته.
[١٨] يخبر تعالى ، بفضله ورحمته ، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلىاللهعليهوسلم ، تلك المبايعة الّتي بيضت وجوههم ، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة. وكان سبب هذه البيعة ـ الّتي يقال لها : «بيعة الرضوان» لرضا الله عن المؤمنين فيها ، ويقال لها : «بيعة أهل الشجرة» ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية ، في شأن مجيئه ، وأنه لم يجىء لقتال أحد ، وإنما جاء زائرا هذا البيت ، معظما له. فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لمكة في ذلك. فجاء خبر غير صادق ، أن عثمان قتله المشركون. فجمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من معه من المؤمنين ، وكانوا نحوا من ألف وخمسائة ، فبايعوه تحت شجرة ، على قتال المشركين ، وأن لا يفروا حتى يموتوا. فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال ، الّتي هي من أكبر الطاعات وأجلّ القربات (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الإيمان (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) شكرا لهم على ما في قلوبهم ، وزادهم هدى. وعلم ما في قلوبهم من الجزع ، من تلك الشروط الّتي شرطها المشركون على رسوله ، فأنزل عليهم السكينة ، تثبتهم ، وتطمئن بها قلوبهم (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) ، وهو فتح خيبر ، لم يحضره سوى أهل الحديبية. فاختصّوا بخيبر وغنائمها ، جزاء لهم ، وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى ، والقيام بمرضاته.
[١٩] (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٩) ، أي : له العزة والقدرة ، الّتي قهر بها الأشياء ، فلو شاء لانتصر من الكفار في كلّ وقعة تكون بينهم وبين المؤمنين. ولكنه حكيم ، يبتلي بعضهم ببعض ، ويمتحن المؤمن بالكافر.
[٢٠] (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) وهذا يشمل كلّ غنيمة غنمها المسلمون إلى يوم القيامة. (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) ، أي : غنيمة خيبر ، أي : فلا تحسبوها وحدها ، بل ثمّ شيء كثير من الغنائم سيتبعها. (وَ) احمدوا الله ، إذ (كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ) القادرين على قتالكم ، الحريصين عليه (عَنْكُمْ) فهي نعمة ، وتخفيف عنكم. (وَلِتَكُونَ) هذه الغنيمة (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) يستدلون بها على خبر الله الصادق ، ووعده الحقّ ، وثوابه للمؤمنين ، وأن الذي قدرها ، سيقدر غيرها. (وَيَهْدِيَكُمْ) بما يقيض لكم من الأسباب (صِراطاً مُسْتَقِيماً) من العلم والإيمان والعمل.
[٢١] (وَأُخْرى) ، أي : وعدكم أيضا غنيمة أخرى (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) وقت هذا الخطاب. (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) ، أي : هو قادر عليها ، وهي تحت تدبيره وملكه ، وقد وعدكموها ، فلا بد من وقوع ما وعد به ، لكمال اقتدار الله تعالى ، ولهذا قال : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).
[٢٢] هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين ، بنصرهم على أعدائهم الكافرين ، وأنهم لو قابلوهم وقاتلوهم (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يتولى أمرهم. (وَلا نَصِيراً) ينصرهم ، ويعينهم على قتالكم ، بل هم مخذولون