مغلوبون.
[٢٣] وهذه سنة الله في الأمم السابقة ، أن جند الله هم الغالبون : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).
[٢٤] يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية ، من شر الكفار ومن قتالهم ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ) ، أي : أهل مكة (عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ، أي : من بعد ما قدرتم عليهم ، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد ، وهم نحو ثمانين رجلا ، انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة. فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم ، فتركوهم ، ولم يقتلوهم ، رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم. (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) فيجازي كل عامل بعمله ، ويدبركم ، أيها المؤمنون ، بتدبيره الحسن.
[٢٥] ثمّ ذكر تعالى ، الأمور المهيجة على قتال المشركين ، وهي : كفرهم بالله ورسوله ، وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين ، أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة. وهم الّذين أيضا صدوا (الْهَدْيَ مَعْكُوفاً) ، أي : محبوسا (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ، وهو محل ذبحه في مكة ، حيث تذبح هدايا العمرة ، فمنعوه من الوصول إليه ظلما وعدوانا ، وكلّ هذه أمور موجبة ، وداعية إلى قتالهم. ولكن ثمّ مانع وهو : وجود رجال ونساء من أهل الإيمان ، بين أظهر المشركين ، وليسوا بمتميزين بمحلة ، أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى. فلو لا هؤلاء الرجال المؤمنون ، والنساء المؤمنات ، الّذين لا يعلمهم المسلمون أن تطأوهم ، أي : خشية أن تطأوهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، والمعرة : ما يدخل تحت قتالهم ، من نيلهم بالأذى والمكروه. وفائدة أخروية ، وهو : أنه (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) فيمنّ عليهم بالإيمان بعد الكفر ، وبالهدى بعد الضلال ، فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب. (لَوْ تَزَيَّلُوا) ، أي : لو زالوا من بين أظهرهم (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بأن نبيح لكم قتالهم ، ونأذن فيه ، وننصركم عليهم.
[٢٦] يقول تعالى : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) حيث أنفوا من كتابة «بسم الله الرحمن الرحيم» وأنفوا من دخول رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين إليهم في تلك السنة ، لئلا يقول الناس : «دخلوا مكة قاهرين لقريش». وهذه الأمور ونحوها ، من أمور الجاهلية ، لم تزل في قلوبهم حتى أوجبت لهم ما أوجبت ، من كثير من المعاصي. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به ، بل صبروا لحكم الله ، والتزموا الشروط ، الّتي فيها تعظيم حرمات الله ولو كانت ما كانت ، ولم يبالوا بقول القائلين ، ولا بلوم اللائمين. (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) وهي «لا إله إلا الله» وحقوقها ، ألزمهم القيام بها ، فالتزموها ، وقاموا بها. (وَكانُوا أَحَقَّ بِها) من غيرهم (وَ) كانوا (أَهْلَها) الّذين استأهلوا لما يعلم الله عندهم ، وفي قلوبهم من الخير ، ولهذا قال : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
[٢٧] يقول تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى في المدينة رؤيا أخبر بها أصحابه ، أنهم سيدخلون مكة ، ويطوفون بالبيت. فلما جرى يوم الحديبية ما جرى ، ورجعوا من غير دخول لمكة ، كثر في ذلك الكلام منهم ، حتى إنهم قالوا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ فقال :