وكل منهما (قَعِيدٌ) بذلك متهيىء لعمله الذي أعد له ، ملازم لذلك.
[١٨] (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) من خير أو شر (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، أي : مراقب له ، حاضر لحاله ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢).
[١٩] أي :. (وَجاءَتْ) هذا الغافل المكذب بآيات الله (سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) الذي لا مرد له ولا مناص ، (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ، أي : تتأخر وتنكص عنه.
[٢٠] (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٢٠) ، أي : اليوم الذي يلحق الظالمين ما أوعدهم الله به من العقاب ، والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب.
[٢١] (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ) يسوقها إلى موقف القيامة ، فلا يمكنها أن تتأخر عنه ، (وَشَهِيدٌ) يشهد عليها بأعمالها ، خيرها وشرها ، وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد ، وحفظه لأعمالهم ، ومجازاته لهم بالعدل ، فهذا الأمر ، مما يجب أن يجعله العبد منه على بال.
[٢٢] ولكن أكثر الناس غافلون ، ولهذا قال : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) ، أي : يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام ، توبيخا ، ولوما وتعنيفا ، أي : لقد كنت مكذبا بهذا ، تاركا العمل له (ف) الآن كشفنا (عَنْكَ غِطاءَكَ) الذي غطى قلبك ، فكثر نومك ، واستمر إعراضك ، (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ينظر ما يزعجه ويروعه ، من أنواع العذاب والنكال. أو هذا خطاب من الله للعبد ، فإنه في الدنيا ، في غفلة عما خلق له ، ولكنه يوم القيامة ينتبه ويزول عنه وسنه ، في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط ، ولا يستدرك الفائت ، وهذا كله تخويف من الله للعباد ، وترهيب بذكر ما يكون على المكذبين في ذلك اليوم العظيم.
[٢٣] يقول تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ) ، أي : قرين هذا المكذب المعرض ، من الملائكة ، الذين وكلهم الله على حفظه ، وحفظ أعماله ، فيحضره يوم القيامة ويحضر أعماله ويقول : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ، أي : قد أحضرت ما جعلت عليه ، من حفظه وحفظ عمله ، فيجازى بعمله.
[٢٤] ويقال لمن استحق النار : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (٢٤) ، أي : كثير الكفر والعناد لآيات الله ، المكثر من المعاصي ، المجترئ على المحارم والمآثم.
[٢٥ ـ ٢٦] (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، أي : يمنع الخير الذي قبله ، الذي أعظمه ، الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، مناع ، لنفع ماله وبدنه. (مُعْتَدٍ) على عباد الله ، وعلى حدوده ، (مُرِيبٍ) ، أي : شاك في وعد الله ووعيده ، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان ، والشك والريب والشح ، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن ، ولهذا قال : (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، أي : عبد معه غيره ، ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا. (فَأَلْقِياهُ) أيها الملكان القرينان (فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) الذي هو معظمها وأشدها وأشنعها.
[٢٧] (قالَ قَرِينُهُ) الشيطان ، متبرئا منه ، حاملا عليه إثمه : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) لأني لم يكن لي عليه سلطان ولا حجة ولا برهان. (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) ، فهو الذي ضل وبعد عن الحق ، باختياره. كما قال في الآية الأخرى : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) الآية.
[٢٨] قال الله تعالى مجيبا لاختصامهم : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) ، أي : لا فائدة في اختصامكم عندي ، (وَ) الحال أني (قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ،