ولا منقذ ، فلم تغن عنهم قوتهم ، ولا أموالهم ، ولا أولادهم.
[٣٧] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ، أي : قلب عظيم حيّ ، ذكيّ ، زكيّ ، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله ، تذكر بها ، وانتفع ، فارتفع. وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله ، واستمعها ، استماعا يسترشد به ، وقلبه (شَهِيدٌ) ، أي : حاضر ، فهذا أيضا له ذكرى وموعظة ، وشفاء وهدى. وأما المعرض ، الذي لم يصغ سمعه إلى الآيات ، فهذا لا تفيده شيئا ، لأنه لا قبول عنده ، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا نعته.
[٣٨] وهذا إخبار منه تعالى عن قدرته العظيمة ، ومشيئته النافذة ، التي أوجد بها أعظم المخلوقات (خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، من غير تعب ولا نصب ، ولا لغوب ، ولا إعياء. فالذي أوجدها ـ على كبرها وعظمها ـ قادر على إحياء الموتى ، من باب أولى وأحرى.
[٣٩] (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من الذم لك والتكذيب بما جئت به ، واشتغل عنهم بطاعة ربك وتسبيحه ، أول النهار وآخره ، في أوقات الليل ، وأدبار الصلوات. فإن ذكر الله تعالى مسلّ للنفس ، مؤنس لها ، مهوّن للصبر.
[٤١] أي : (وَاسْتَمِعْ) بقلبك (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) وهو إسرافيل عليهالسلام ، أي : حين ينفخ في الصور (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من الأرض.
[٤٢] (يَوْمَ يَسْمَعُونَ) تلك (الصَّيْحَةَ) المزعجة المهولة (بِالْحَقِ) الذي لا شك فيه ولا متراء. (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) من القبور ، الذي انفرد به القادر على كل شيء ، ولهذا قال :
[٤٣ ـ ٤٤] (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ) ، أي : عن الخلائق. (سِراعاً) ، أي : يسرعون لإجابة الداعي لهم إلى موقف القيامة. (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) ، أي : سهل على الله ، لا تعب فيه ولا كلفة.
[٤٥] (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) لك ، مما يحزنك من الأذى. وإذا كنا أعلم بذلك ، فقد علمت كيف اعتناؤنا بك ، وتيسيرنا لأمورك ، ونصرنا لك على أعدائك ، فليفرح قلبك ، ولتطمئن نفسك ، ولتعلم أننا أرحم بك وأرأف من نفسك. فلم يبق لك إلا انتظار وعد الله والتأسّي بأولي العزم ، من رسل الله. (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) ، أي : مسلط عليهم (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ، ولهذا قال : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) والتذكير ، هو تذكير بما تقرر في العقول والفطر ، من محبة الخير وإيثاره وفعله ، ومن بغض الشر ومجانبته ، وإنما يتذكر بالتذكير ، من يخاف وعيد الله. وأما من لم يخف الوعيد ولم يؤمن به ، فهذا فائدة تذكيره إقامة الحجة عليه ، لئلا يقول : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ). آخر تفسير سورة (ق) والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.