وقيل : إن المراد بالمسجور : الموقد الذي يوقد نارا يوم القيامة ، نارا تلظى ، ممتلئا ـ على سعته ـ من أصناف العذاب.
[٧] هذه الأشياء الّتي أقسم الله بها ، مما يدل على أنها من آيات الله وأدلة توحيده ، وبراهين قدرته ، وبعثه الأموات ، ولهذا قال : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) (٧) ، أي : لا بد أن يقع ، ولا يخلف الله وعده وقيله.
[٨] (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) (٨) يدفعه ، ولا مانع يمنعه ، لأن قدرة الله ، لا يغالبها مغالب ، ولا يفوتها هارب.
[٩] ثمّ ذكر وصف ذلك اليوم ، الذي يقع فيه العذاب ، فقال : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) (٩) ، أي : تدور السماء وتضطرب ، وتدوم حركتها بانزعاج ، وعدم سكون.
[١٠] (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) (١٠) ، أي : تزول عن أماكنها ، وتسير كسير السحاب ، وتتلون كالعهن المنفوش ، وتبث بعد ذلك حتى تصير مثل الهباء ، وذلك كله لعظم هول يوم القيامة ، فكيف بالآدمي الضعيف؟
[١١] (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١١) ، والويل : كلمة جامعة لكل عقوبة وحزن وعذاب وخوف.
[١٢] ثمّ ذكر وصف المكذبين الّذين استحقوا به الويل ، فقال : (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) (١٢) ، أي : خوض بالباطل ولعب به. فعلومهم وبحوثهم بالعلوم الضارة المتضمنة للتكذيب بالحق ، والتصديق بالباطل. وأعمالهم أعمال أهل الجهل والسفه واللعب ، بخلاف ما عليه أهل التصديق والإيمان من العلوم النافعة ، والأعمال الصالحة.
[١٣] (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) (١٣) ، أي : يدفعون إليها دفعا ، ويساقون إليها سوقا عنيفا ، يجرون على وجوههم ، ويقال لهم توبيخا ولوما :
[١٤] (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١٤) ، فاليوم ذوقوا عذاب الخلد الذي لا يبلغ قدره ، ولا يوصف أمره.
[١٥] (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (١٥) يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب ، كما يدل عليه سياق الآيات ، أي : لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع : «أهذا سحر لا حقيقة له ، فقد رأيتموه ، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون» ، أي : لا بصيرة لكم ولا علم عندكم ، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر لم تقم عليكم الحجة؟ والجواب انتفاء الأمرين. أما كونه سحرا ، فقد ظهر لهم أنه أحق الحقّ ، وأصدق الصدق ، المنافي للسحر من جميع الوجوه. وأما كونهم لا يبصرون ، فإن الأمر بخلاف ذلك ، بل حجة الله قد قامت عليهم ، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك ، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك ، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية. ويحتمل أن الإشارة بقوله : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (١٥) إلى ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم من الحقّ المبين ، والصراط المستقيم ، أي : أفيتصور من له عقل ، أن يقول عنه : إنه سحر ، وهو أعظم الحقّ وأجله؟ ولكن لعدم بصيرتهم ، قالوا فيه ما قالوا.
[١٦] (اصْلَوْها) ، أي : ادخلوا على وجه تحيط بكم ، وتشمل أبدانكم ، وتطلع على أفئدتكم. (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) ، أي : لا يفيدكم الصبر على النار شيئا ، ولا يتأسى بعضكم ببعض ، ولا يخفف عنكم العذاب ، وليست من الأمور ، الّتي إذا صبر العبد عليها ، هانت مشقتها وزالت شدتها. وإنما فعل بهم ذلك ، بسبب أعمالهم الخبيثة ، وكسبهم ، ولهذا قال : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
[١٧] لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين ، ذكر نعيم المتقين ليجمع بين الترغيب والترهيب ، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) لربهم ، الّذين اتقوا سخطه وعذابه ، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي. (فِي جَنَّاتٍ) ، أي : بساتين ، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة ، والأنهار المتدفقة ، والصور المحدقة ، والمنازل المزخرفة. (وَنَعِيمٍ) ، وهذا شامل لنعيم القلب والروح والبدن.
[١٨] (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) ، أي : معجبين به ، متمتعين على وجه الفرح والسرور ، بما أعطاهم الله من النعيم الذي لا يمكن وصفه ، ولا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) فرزقهم المحبوب ، ونجاهم من المرهوب لما فعلوا ما أحبه ، وجانبوا ما يسخطه.
[١٩] (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ، أي : مما تشتهيه أنفسكم ، من أصناف المآكل والمشارب اللذيذة. (هَنِيئاً) ، أي : متهنئين بذلك على وجه البهجة والفرح ، والسرور والحبور. (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، أي : نلتم ما نلتم