بسبب أعمالكم الحسنة ، وأقوالكم المستحسنة.
[٢٠] (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) الاتكاء هو : الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار ، والسرر هي : الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية. ووصف الله السرر بأنها مصفوفة ليدل ذلك على كثرتها ، وحسن تنظيمها ، واجتماع أهلها وسرورهم ، بحسن معاشرتهم ، وملاطفة بعضهم بعضا. فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال ، ولا يدور في الخيال من المآكل والمشارب اللذيذة ، والمجالس الحسنة الأنيقة ، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لم يتم سرور إلا بهن. فذكر تعالى أن لهم من الأزواج ، أكمل النساء أوصافا وخلقا وأخلاقا ، ولهذا قال : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) وهن النساء اللواتي قد جمعن جمال الصور الظاهرة وبهاءها ، ومن الأخلاق الفاضلة ، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين ، ويسلبن عقول العالمين ، وتكاد الأفئدة أن تطير شوقا إليهن ، ورغبة في وصالهن ، والعين : حسان الأعين مليحاتها ، الّتي صفا بياضها وسوادها.
[٢١] وهذا من تمام نعيم الجنة ، أن ألحق الله بهم ذريتهم ، الّذين اتبعوهم بإيمان ، أي : لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم ، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان ، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم. فهؤلاء المذكورون ، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة ، وإن لم يبلغوها ، جزاء لآبائهم ، وزيادة في ثوابهم. ومع ذلك ، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا. ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك ، يلحق الله بهم ذريتهم ، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا ، فإن النار دار العدل ، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب ، ولهذا قال : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) ، أي : مرتهن بعمله ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، ولا يحمل على أحد ذنب أحد. فهذا اعتراض من فوائده إزالة هذا الوهم المذكور.
[٢٢] وقوله : (وَأَمْدَدْناهُمْ) ، أي : أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع ، ورزقنا العميم (بِفاكِهَةٍ) من العنب والرمان والتفاح ، وأصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون. (وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من كلّ ما طلبوه واشتهته أنفسهم ، من لحوم الطير وغيرها.
[٢٣] (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) ، أي : تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم ، ويتعاطونها فيما بينهم ، وتطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق. (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) ، أي : ليس في الجنة كلام لغو ، وهو الذي لا فائدة فيه ، ولا تأثيم وهو : الذي ليس فيه إثم ومعصية ، وإذا انتفى الأمران ، ثبت الأمر الثالث ، وهو أن كلامهم فيها ، سلام طيب طاهر ، مسر للنفوس ، مفرح للقلوب ، يتعاشرون أحسن عشرة ، ويتنادمون أطيب المنادمة ، ولا يسمعون من ربهم ، إلا ما يقر أعينهم ، ويدل على رضاه عنهم ومحبته لهم.
[٢٤] (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ) ، أي : خدم شباب (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) من حسنهم وبهائهم ، يدورون عليهم بالخدمة ، وقضاء أشغالهم ، وهذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته ، وكمال راحتهم.
[٢٥] (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢٥) عن أمور الدنيا وأحوالها.
[٢٦] (قالُوا) في ذكر بيان الذي