أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة والسرور. (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) ، أي : في دار الدنيا (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) ، أي : خائفين وجلين ، فتركنا من خوفه الذنوب ، وأصلحنا لذلك العيوب.
[٢٧] (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالهداية والتوفيق ، (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) ، أي : العذاب الحار الشديد حره.
[٢٨] (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) أن يقينا عذاب السموم ، ويوصلنا إلى النعيم ، وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، أي : لم نزل نتقرب إليه بأنواع العبادات ، وندعوه في سائر الأوقات. (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) ، فمن برّه ورحمته إيانا أن أنالنا رضاه والجنة ، ووقانا سخطه والنار.
[٢٩] يأمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يذكر الناس ، مسلمهم وكافرهم ، لتقوم حجة الله على الظالمين ، ويهتدي بتذكيره الموفقون ، وأن لا يبالي بقول المشركين المكذبين ، وأذيتهم وأقوالهم التي يصدون بها الناس عن اتباعه ، مع علمهم أنه أبعد الناس عنها ، ولهذا نفى عنه كل نقص رموه به ، فقال : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) ، أي : منّه ولطفه (بِكاهِنٍ) ، أي : له رئيّ من الجن ، يأتيه بخبر بعض الغيوب ، الّتي يضم إليها مائة كذبة. (وَلا مَجْنُونٍ) فاقد للعقل ، بل أنت أكمل الناس عقلا ، وأبعدهم عن الشياطين ، وأعظمهم صدقا ، وأجلهم وأكملهم.
[٣٠] وتارة (يَقُولُونَ) فيه : إنه (شاعِرٌ) يقول الشعر ، والذي جاء به شعر ، والله يقول : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ). (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ، أي : ننتظر به الموت ، فيبطل أمره ، ونستريح منه.
[٣١] (قُلْ) لهم جوابا لهذا الكلام السخيف : (تَرَبَّصُوا) أي : انتظروا بي الموت ، (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) نتربص بكم ، أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ، أو بأيدينا.
[٣٢] (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٣٢) ، أي : أهذا التكذيب لك ، والأقوال الّتي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم وأحلامهم؟ فبئس العقول والأحلام ، الّتي هذه نتائجها ، وهذه ثمراتها. فإن عقولا جعلت أكمل الخلق عقلا مجنونا ، وجعلت أصدق الصدق ، وأحق الحقّ ، كذبا وباطلا ، لهي العقول الّتي ينزه المجانين عنها. أم الذي حملهم على ذلك ظلمهم وطغيانهم؟ وهو الواقع ، فالطغيان ليس له حد يقف عليه ، فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد ، كل قول وفعل صدر منه.
[٣٣] (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) ، أي : تقول محمد القرآن ، وقاله من تلقاء نفسه؟ (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) فلو آمنوا ، لم يقولوا ما قالوا.
[٣٤] (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (٣٤) أنه تقوله ، فإنكم العرب الفصحاء ، والفحول البلغاء ، وقد تحداكم أن تأتوا بمثله ، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه ، وأنكم لو اجتمعتم ، أنتم والإنس والجن ، لم تقدروا على معارضته والإتيان بمثله ، فحينئذ أنتم بين أمرين : إما مؤمنون به ، مقتدون بهديه ، وإما معاندون متبعون ، لما علمتم من الباطل.
[٣٥] (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) (٣٥) وهذا استدلال عليهم ، بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق ، أو الخروج عن موجب العقل والدين ، وبيان ذلك : أنهم منكرون لتوحيد الله ، مكذبون لرسوله ، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم. وقد تقرر في العقل مع الشرع ، أن ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمور : إما أنهم خلقوا من غير شيء ، أي : لا خالق خلقهم ، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد ، وهذا عين المحال. أم هم الخالقون لأنفسهم ،