وفي نفس الأمر والواقع ، ثمّ عقّب كلامه بعد ذلك بأنّ الحروف إنّما اخذت في الكلام علامة وإشارة إلى الخصوصيات المقرونة به في مقام التخاطب والإفهام ، فكأنّه أقرّ بدلالة الحروف على تلك الخصوصيات ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في أنّ القائل بالوضع والمفهوم للحروف لا يريد أزيد من ذلك.
وبعبارة اخرى : إنّ الخصوصيات التي دلّت عليها الحروف كما التزم بذلك هذا القائل ليست بعينها إلّا المعنى الحرفي الذي وضع الحرف بإزائه ، فالحروف بإقرار هذا القائل إنّما وضعت لتلك الخصوصيّات ؛ إذ المفروض أنّ تلك المعاني الحرفيّة من الخصوصيّات غير مستفادة من الأسماء ، لعدم دخولها في المفاهيم الاسمية ، فإذن لا مناص له من الالتزام بدلالة الحروف عليها ، فهذا الالتزام منه مساوق للاعتراف بوضع الحروف بإزاء تلك الخصوصيات ، ومع هذا الاعتراف إذا قال بعدم الوضع والدلالة للحروف فذلك يعدّ من التناقض في الكلام والالتزام ، فبطلانه لا يحتاج إلى البرهان.
فصارت النتيجة أنّ هذا القول إنّما يكون في نهاية التفريط ، كما أنّ ما ذهب إليه المحقّق صاحب الكفاية والشيخ الرضي في غاية الإفراط ، فانقدح بما ذكرنا في المقام من التوضيح حال المقيس عليه ، وهو عبارة عن حركات الإعراب بلا شكّ وارتياب.
القول الثالث : لا يخفى أنّه التزم جماعة بالمفهوم والوضع والمعنى للحروف ، ولكن في قبال المعنى الاسمي على نحو التباين أي المغايرة بينهما ، بمعنى أنّ معاني الحروف ليست كمعاني الأسماء ، ولكن في قبال المعاني الاسمية لها وضع ومعنى ، وأنّها تدلّ على تلك المعاني الخاصّة حسب ما يأتي الإشارة إليه.