الأمس ـ متقوّم بغيره كمعاني الحروف والأدوات ، فإنّها بحدّ ذاتها وفي أنفسها متقوّمة بغيرها متّكلة عليه على وجه لا استقلال لها في أيّ وعاء من الأوعية التي فرض وجودها فيه لنقصان في ذاتها ، فعدم الاستقلالية ليس إلّا من ناحية ذلك النقصان الذاتي. فبما ذكرنا تبيّن أنّ عدم الاستقلالية ليس إلّا من ناحية ذلك النقصان لا من جهة اللحاظ فقط ، ولأجل ذلك لا تتبادر هذه الخصوصيات منها عند التكلّم بها بوحدتها من دون إتيان متعلّقاتها في الكلام التركيبي ، ويشهد بذلك أنّه لو أطلقت كلمة (في) بوحدها بلا ذكر متعلّقها فلا يستفاد منها شيء من تلك الخصوصيات.
فصار حاصل ما ذكرناه في المقام أنّ المعاني الاسمية إنّما تكون من سنخ المعاني الإخطارية ، ولها ثبوت وقرار في عالم العين والمفهوم ، بخلاف المعاني الحرفية ، إذ ليس لها بالاستقلال ثبوت وقرار.
وبعبارة اخرى : لا شكّ ولا شبهة في أنّه ليس للحروف من حيث الاستقلال مفهوم بوجه من الوجوه ، بل إنّما الحروف وضعت لإيجاد الارتباط بين المفاهيم المستقلّة المتعدّدة عند التخاطب والتفاهم ، كقولك في مقام الإخبار : إنّ زيدا دخل في الدار ؛ إذ كلمة (في) إنّما وضعت لكي توجد الارتباط بين زيد والدار بالدخول أو الخروج أو البقاء ، وأمثال ذلك من الخصوصيات والتلبّسات من القيام والقعود والنوم واليقظة.
فيكون إيجاد الارتباط بين (زيد) و (الدار) اللذين لهما استقلال في وعاء المفهوم بواسطة كلمة (في) ، فيكون الموجد لهذا الارتباط بين هذين المفهومين هو كلمة (في) ، والأمر كذلك بالنسبة إلى سائر كلمات الحروف التي تجري في الكلام في كلّ محاورة ولسان كالكاف واللام وغيرهما.
فتحصّل أنّ سبب إيجاد الارتباط بين زيد والدار بالدخول ليس إلّا كلمة