بيّنه قدسسره لا تنطبق على المعنى الحرفي ، بل يكون المعنى الحرفي حسب ما نتعرّض له لا ربط له بما أفاده قدسسره وذلك من جهة أنّه إذا كان المعنى الحرفي بهذا النحو من التفسير والإيجاد التكويني صحيحا ، فلا بدّ من أن يكون استعمال كلّ واحد من الحروف في مورد الآخر محكوما بالصحّة ، كما إذا جعلت كلمة (كاف) في مقام كلمة (في) بأن يقال : زيد كالدار ، في مكان زيد في الدار. والحال أنّ هذا القبيل من الاستعمال يعدّ من الأغلاط في مقام الإخبار والاستعمال عند أهل اللغة واللسان.
بل هذا المعنى الذي التزم به هو من الإيجادية حيث يسقط الحرف عن درجة الاعتبار ويلحقه بالمهملات التي ليس لها مفهوم في الواقع والحقيقة ، وكيف لا ينقضي تعجّبي من مثله ؟ مع أنّ للحروف معان مخصوصة ـ كما سيأتي كلامنا في بيان ذلك المعنى المخصوص عن قريب مفصّلا ـ فإنّ المعنى الحرفي إنّما يكون عبارة عن الخصوصيّة التي توجب الارتباط بين المفهومين المستقلّين ، بحيث لو لا وضع الحروف لهذه الخصوصية لما تحقّق شيء من الارتباطات بين المفاهيم المتباينة في المحاورة بوجه من الوجوه عند لزوم تلك الارتباطات ، نظير رفع الذي يدلّ على خصوصيّة الفاعلية بمعنى صدور الفعل عنه ، والنصب الذي يدلّ على المفعوليّة أي بمعنى وقوع الفعل عليه ، فيكون من هذا القبيل من حيث البطلان ما ذكره قدسسره من تشبيه الحروف من حيث عدم المفهوم لها بمن يكون احترامه بالغير.
بيان ذلك أنّ المقايسة غلط محض ؛ لأنّ من يكون احترامه بالغير ليس له احترام لو لا وجود هذا الغير ، بخلاف الحروف ، فإنّها وإن كانت غير مستقلّة في المفهوم إلّا أنّها تدلّ على ما لها من الخصوصية في الغير ، بخلاف وجود التبعي ، فإنّه تبعي محض بحيث لو لا وجود المتبوع فلا يبقى للتابع وجود من أصل.