وبعبارة اخرى : إنّ وضع هذا القسم من الحروف لذلك المعنى أيضا إنّما يكون من نتائج وثمرات مسلكنا الذي سلكناه في باب الوضع ، فإنّ من لوازم القول بالتعهّد والالتزام هو تعهّد كلّ متكلّم بأنّه متى أراد قصد تفهيم معنى خاصّ من المعاني في مقام التخاطب تكلّم بلفظ مخصوص ، فيكون اللفظ مفهما ذلك المقصود ودالّا على أنّه أراد تفهيمه به.
فلو قصد تفهيم التمنّي يتكلّم بكلمة (ليت) ولو قصد تفهيم الترجّي يتكلّم بكلمة (لعلّ) ، وهكذا ، فالواضع تعهّد بذكر هذا القسم من الحروف عند إرادة إبراز أمر من الامور النفسانية من التمنّي والترجّي وأمثالهما.
ومن هنا انقدح بطلان ما عن شيخنا الاستاذ قدسسره من أنّ معاني هذه الحروف أيضا إيجادية (١) ، وذلك من جهة ما تبيّن لك من أنّ المعاني الحرفية ثابتة في عالم المفهومية كمعاني الجمل الإنشائية ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة ، فالنتيجة هي أنّ حال هذا القسم من الحروف حال الجمل الإنشائية ، كما أنّ القسم الأوّل منها حاله حال الهيئات الناقصة ، وهذا واضح.
ولكن لا يخفى عليك أنّ صاحب الكفاية قدسسره التزم بأنّ الاسم والحرف متّحدان من حيث المفهوم والمعنى ، والتمايز والتغاير لوحظ بينهما في مقام الاستعمال بلحاظ الآليّة والاستقلاليّة ، بمعنى أنّه لا فرق بوجه من الوجوه بين مفهوم كلمة ابتداء وكلمة (من) من حيث الموضوع له والمفهوم ، وكذلك بين كلمة الظرفية وكلمة (في) ، وكلمة (على) والاستعلاء.
وإنّما جاء الفرق بينهما في مقام الاستعمال شرطا من ناحية الواضع ؛ لأنّه شرط بأنّ الحروف إنّما يلزم أن تستعمل أدوات في الغير ، والأسماء لا بدّ من أن
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٠.