والفرق وإن كان بينهما بالنسبة إلى مقام الاستعمال ، ولكنّه ليس بفارق مفهومي بينهما ، لأنّه غير مربوط بعالم الوضع والجعل كما هو واضح كالشمس في رابعة النهار ، فإذن من حيث المفهوم والموضوع له لا امتياز بينهما ، وإنّما الامتياز والتشخّص جاء من ناحية تلك الإشارات المتقدّمة بالنسبة إلى مقام الاستعمال ولا ربط له بمقام الوضع والمفهوم بالقطع واليقين.
وبالجملة ، قال صاحب الكفاية قدسسره بأنّه يمكن أن يقال : إنّ المستعمل فيه في أسماء الإشارة والضمائر ونحوهما أيضا عامّ ، وأنّ تشخّصه إنّما جاء من ناحية طور استعمالها ، حيث إنّ أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى مفهومها ومعانيها ، وهكذا بعض الضمائر ليخاطب بها المعنى ، وإنّما الإشارة والمواجهة والمقابلة والتخاطب قرين للتشخّص ، بل إنّما يستدعيان التميّز والتشخّص كما لا يخفى.
فدعوى أنّ المستعمل فيه في مثل (هذا) و (هو) و (إيّاك) هو المفرد المذكّر وتميّزه وتشخّصه إنّما جاء من قبل الإشارة والمواجهة والتخاطب بهذه الألفاظ إليه ، فإنّ الإشارة والتخاطب لا يكاد يكون إلّا إلى طرف المقابل والشخص أو معه غير مجازفة. انتهى كلامه (١).
فصار المتحصّل من حيث النتيجة إلى حدّ الآن أنّه لا فرق بين المفرد المذكّر وأسماء الإشارة وبعض الضمائر في الوضع والموضوع له بحسب الحقيقة بمسلكه.
ولكنّ الإنصاف والتحقيق يقتضي عدم مساعدتنا له في ذلك ولو سلّمنا ما أفاد هو قدسسره في بيان اتّحاد وضع الحروف والأسماء من حيث المفهوم والموضوع له ذاتا وحقيقة واختلافهما باللحاظ الآلي والاستقلالي ، وذلك من جهة أنّ لحاظ
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٧ ، مع اختلاف في الألفاظ.