يجتمعان في الواحد غير ذي الجهات كما لا يخفى. والحاكي والمحكي والدالّ والمدلول كاد أن يكون من قبيل القسم الثاني حيث لا برهان على امتناع حكاية الشيء عن نفسه كما قال عليهالسلام : يا من دلّ على ذاته بذاته ، وقال عليهالسلام : أنت دللتني عليك (١).
ولكنّ الإنصاف أنّ هذا الجواب كجواب المحقّق صاحب الكفاية ليس بصحيح ولا يمكننا المساعدة عليه أيضا ؛ إذ من الواضح أنّ ما ذكره من أنّ التقابل إنّما يكون في قسم خاصّ من التضايف لا في مطلق المتضايفين وإن كان حقّا صحيحا ، إلّا أنّه غير مربوط بالجواب عن الإشكال المتقدّم في المقام من عدم تعقّل اتحاد الدالّ والمدلول في محلّ الكلام بالكلّية من الأصل والأساس ، فإنّ استخدام اللفظ بعنوان الوضع والتعهّد للدلالة على المعنى بعنوان أنّه دالّ ، والمعنى الذي يكون غير اللفظ مدلول ذلك اللفظ ومستفاد من ذلك اللفظ ، بمعنى أنّ الدالّ شيء والمدلول المستفاد من الدالّ شيء آخر ، وهو قسم خاصّ من الدلالة التي لا يمكن أن تجتمع في شيء واحد ، إذ قد بيّنا لك عند توضيح الدلالة أنّها بحسب الحقيقة عبارة عن وجود اللفظ وحضوره في ذهن السامع والمخاطب في المرحلة الاولى ، ثمّ حضور المعنى ووجوده في ذهنه بتبعه في المرحلة الثانية.
ومن الضروري لكلّ واحد من العارفين بالاستعمال والدلالة في كلّ محاورة من المحاورات الدلالية أنّ كلّ سامع أو مخاطب عند سماع اللفظ من الناطق المستعمل في معناه ينتقل إلى الدالّ واللفظ في الرتبة الاولى ، وإلى المعنى في الرتبة الثانية ، فحضور اللفظ في الرتبة الاولى علّة لإحضار المعنى في ذهن
__________________
(١) نهاية الدراية ١ : ٣١.