وغير خفي عليك أنّ هذه الأوضاع المتقدّمة المتعلّقة بالمركّبات التي وقفت عليها بالتفصيل كافية للدلالة على إفادة تلك الأغراض والمقاصد في الدهور والعصور وفي عصرنا وما بعده إلى يوم القيامة ، بلا فرق بين ما كان الغرض منه قصد الحكاية عن الواقع أو إظهار أمر نفساني غير قصد الحكاية ، ولا يبقى أيّ غرض بوجه من الوجوه لا تكون تلك الأوضاع قائمة بكفايته ، حتّى نحتاج إلى وضع المركّبات في عرض وضع المفردات أو طولها بما هو واقع في سبيل دفع الحاجة في الوصول إلى الأغراض بما هو على حدّه للدلالة على ذلك الغرض.
إذ من الواضحات لمن له أدنى اطلاع على اللغة والمحاورة أنّ من قصد الحكاية عن تلبّس زيد بالضرب يقول : (ضرب زيد) ، فتلك الجملة تدلّ على قصد الحكاية عن حدوث تلبّس زيد بمبدإ الضرب في الخارج. كما أنّ جملة (ما جاءني القوم إلّا زيد) تدلّ على حصر المجيء بزيد ، زائدا على دلالتها على قصد الإخبار عن تلبّس القوم بذلك المجيء. وهيئة : (إنّ زيدا عادل) تدلّ على التأكيد. وهيئة (ضرب موسى عيسى) تدلّ على أنّ موسى فاعل من دون الاحتياج إلى دالّ آخر وعدم وجود دالّ آخر هنا غير هذه الهيئة ، وهلمّ جرّا بالنسبة إلى بقيّة المقاصد والأغراض.
وبالجملة إنّ المتكلّم متى ما قصد تفهيم خصوصيّة من الخصوصيّات وإظهارها في الخارج متمكّن من ذلك ببركة هيئة من الهيئات ، فبذلك القيّم الأصيل الكافي لا يبقى لنا وجه حاجة إلى وضع المركّبات بما هي مركّبات ، على أنّ ذلك الوضع خارج عن حكمة الوضع ، لأنّه لغو وعبث في عرض وضع الموادّ بجملتها.
فصارت النتيجة أنّ القول بوضع المركّب علاوة على وضع المفردات وهيئات المفردات يكون بلا وجه ولا علّة ومن أظهر مصاديق اللغو الذي لا يحتاج بطلانه