الذاتي إنّما هو عبارة عن الإجمال والتفصيل ، نظير الإجمال الذي ذكرناه في دلالة لفظ الدار عند دفع الإشكال بأنّ المتصوّر من لفظ «الدار» عند سماع لفظه إنّما يكون مجموع ما تطلق عليه كلمة الدار من الباب والحيطان والحوض والغرف والمطبخ بالإجمال بالنسبة إلى استعداد الدور من السعة والضيق حسب استعداد صاحب الدار والبيت ، فكلمة الدار إنّما تدلّ على ذلك المجموع بالإبهام والاندماج ، وإنّما ينتقل السامع عند سماع لفظ الدار إلى ما في الدار من الجدران والباب والسطح والصحن والحوض والمطبخ والبيوتات على نحو الإجمال ، بحيث لو أراد أن يفسّر تلك الدار بالتفصيل لا بدّ من أن يسمّي كلّ واحد من ذلك المجموع باسمه المختصّ به من الحجرات والباب والصحن والمطبخ ، وأمثال بقية الأجزاء التي هي داخلة تحت ذلك العنوان العامّ.
فانقدح بذلك التقريب أنّ ما به الامتياز والاشتراك في ذلك الإجمال والتفصيل ليس إلّا نفس ذلك الإجمال والتفصيل ، وإلّا فمن حيث الحقيقة والواقع لا فرق بينهما من حيث أصل المفهوم الكلّي. فعلم مما ذكرناه في المقام أنّ ما به التمايز في الحمل الأوّلي الذاتي إنّما يكون هو الإجمال والاندماج ، مع أنّهما إنّما يكونان متّحدين ومشتركين في الموضوع والمحمول من حيث الحقيقة والذات. فيكون ذلك نظير قولك : زيد إنسان ، بالنسبة إلى قول القائل : الإنسان حيوان ناطق ؛ لأنّ جملة زيد إنسان بلحاظ تحليل الواقع عند التفصيل ترجع إلى الحيوان الناطق ، ولكنّ الأخير بالإجمال والأوّل بالتصريح والتفصيل ، فهذا الحمل إنّما يكون حملا ذاتيا ، إذ التغاير بين الإنسان في جملة (زيد إنسان) وجملة (إنّه حيوان الناطق) ليس إلّا بالإجمال والتفصيل ، إذ الحيوان الناطق متّحد مع الإنسان في الوجود التفصيلي ، ولأجل ذلك يخطر إلى الذهن مفهوم «حيوان الناطق» عند سماع كلمة «إنسان» فهما متّحدان من حيث المفهوم