واعترفنا أنّ وقوعهما في إثبات طريق الحكم لا يرتبط بالاستنباط ، بل هو من باب التطبيق والانطباق نظير انطباق الطبيعي على أفراده ومصاديقه ، فلا نعترف بخروجهما عن مسائل هذا العلم ، إذ هما مختصّتان بخصوصيّة بها تمتازان عن القواعد الفقهيّة ، وهي كونهما ممّا ينتهي إليه أمر المجتهد عند الإفتاء بعد عدم وجدان دليل الاجتهاد ، وبعد اليأس عن الظفر به حتّى الإطلاق والعموم. وهذا لا يقاس بتلك القواعد الفقهية ، فإنّها ليست واجدة لها ، بل هي عند الحقيقة أحكام كلّية إلهية استخرجت واستنبطت من أدلّتها لمتعلّقاتها وموضوعاتها ، وهي تنطبق على مواردها بلا لحاظ خصوصيّة فيها أصلا وأبدا ، كاليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي وأمثاله ، فصار الامتياز والفرق بينهما وبين القواعد الفقهيّة كالشمس في رابعة النهار ، ولأجل ذلك دخلتا في علم الاصول عند أهله. هذا تمام الكلام في بيان الجهة الاولى.
الأمر الثاني : أن يكون وقوعها في طريق إثبات الحكم في حدّ ذاته بنفسها من دون مسيس حاجة إلى ضمّ كبرى اصوليّة اخرى ، فبذلك الشرط بان أنّ المسألة الاصوليّة حدّها ذلك ، أي بأن تتّصف بذلك لا غير ، فيكون المعيار في اعتبار ذلك الشرط في تعريف علم الاصول هو عدم دخول مسائل الغير فيه كمسائل علم النحو والصرف واللغة والرجال والمنطق ونحوها ؛ فإنّها وإن كانت دخيلة في استخراج واستنباط الأحكام الشرعيّة واستنتاجها عن الأدلّة ؛ إذ من الواضح أنّ فهم الحكم الشرعي من تلك المسائل الاصوليّة متوقّف على عرفان مسائل علم النحو وقواعده من ناحية الإعراب والبناء ، وعلم الصرف ومعرفة أحكامه من حيث الصحّة والاعتلال ، وكذلك علم اللغة من ناحية معرفة معاني الألفاظ وما هي مستعملة فيه ، وهكذا علم الرجال لتنقيح أسانيد الأحاديث