ناطق ، إلى غير ذلك ، إذ المحمول والموضوع في جميع تلك الأمثلة متّحدان في ما يكون وجودا لهما بالذات.
بقي الكلام في القسم الثاني ، وهو عبارة عن حمل العناوين العرضية على معروضاتها ، كحمل الضاحك أو القائم والصابر والكاتب والعالم أو الأبيض أو الأسود أو الأحمر على زيد مثلا ، فإنّ هذه العناوين جميعها عرضية انتزاعية منتزعة من قيام الأعراض بموضوعاتها ، وليس لها وجود في الخارج ، والموجود فيه نفس الأعراض والمقولات التي هي من مبادئ تلك العناوين كالضحك والكتابة والعلم والبياض والسواد ومنشأ انتزاعها. وعليه فنسبة ما به الاتّحاد ـ وهو وجود زيد المتّصف بتلك المبادئ ـ إلى تلك العناوين بالعرض والمجاز وبمقتضى القاعدة الجارية في الكائنات بأجمعها ، وهي أنّ كلّ ما بالعرض لا بدّ من أن ينتهي إلى ما بالذات ، وينتهي هذا الحمل أي العناوين على معروضها إلى حمل ثان ويدلّ الكلام عليه بالدلالة الالتزامية لا محالة.
فذلك الحمل يكون من قبيل حمل الطبيعي على أفراده ، فإنّ في قولنا : «زيد ضاحك» مثلا ، بما أنّ الضاحك عنوان عرضي انتزاعي فلا محالة ينتهي الأمر إلى حمل الضحك على الصفة القائمة بزيد ، وهو من حمل الكلّي على فرده ، فبالنهاية يرجع هذا القسم إلى القسم الأوّل وإن كان مغايرا له بحسب الصورة والشكل.
أمّا القسم الثالث ، وهو عبارة عن حمل بعض العناوين العرضيّة على بعضها الآخر ، كقولهم : «الكاتب متحرّك الأصابع» ، أو : «المتعجّب ضاحك» ، وأمثال ذلك ، فقد انقدح لك ممّا تقدّم أنّه ليس للعناوين العرضية وجود في عالم الخارج بالذات والحقيقة ، بل إنّما يضاف إليها وجود ما يتّصف بها إضافة بالعرض لا بالذات وبقانون أنّ كلّ ما بالعرض لا بدّ من أن ينتهي إلى ما بالذات.
فلا جرم ينتهي الأمر إلى حملين آخرين : أحدهما : حمل صفة الكتابة أو