ناحية العمل بتلك المعاملات المتقدّمة لإمرار المعاش في حياتهم الاقتصادية في رفع حوائجهم الماديّة ، من البيع والشراء والإيجار والاستيجار والنكاح والصلح.
فكانت هذه المفاهيم من تلك المعاني من الامور العرفية الدائرة بين كافة الناس حتّى الأنبياء والرسل من ابتداء تشكيل المجتمع الإنساني في البلاد والقرى والمدن.
فلا جرم أنّ عامّة أهل الدنيا من الصدر الأوّل العارف بديدن أهل اللسان والمحاورة عند الاحتياج إلى المعيشة ـ من الخبز ، واللحم ، والألبسة ، والفرش ، والأمكنة ، بل بالنسبة إلى جميع المأكولات ، والمشروبات ، والمركوبات والمنكوحات ، والمكاري ، والإيجار والاستيجار ، وغيرها من الامور النظامية ـ لا بدّ من التوصّل إليها بالبيع والصلح والإيجار والنكاح الدارج فيما بينهم ؛ إذ لو لا ذلك الارتباط والاعتبارات العرفية لكانوا محرومين عن الوصول إلى مقاصدهم المطلوبة اللازمة.
وقد تقدّم غير مرّة أنّ الأنبياء والرسل ـ مع غمض العين عن اتّصالهم بالوحي والتشريع ـ كانوا من أبناء هذه المحاورة والعرف ، وأنّهم كانوا في الأسواق كأحد أبناء عرفهم في البيع والشراء والاستيجار والإيجار والرعي والمزارعة والمساقاة والصلح والنكاح. ومن الشواهد المسلّمة على ذلك قصّة موسى وشعيب عليهماالسلام من الاستيجار والنكاح.
بل إنّهم مضافا إلى اتباعهم للعرف والعادة في تلك الاعتبارات والقرارات الدارجة بينهم قد أمضوا تلك الامور العرفيّة من قبل الله بقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ) و (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) وغيرهما من الروايات الواردة في أنواع الصلح ، والمضاربة ، والمساقاة ، والمزارعة حسب تنزيل الكتب وإرسال الرسل.