بمقدار متناه ، فإنّ الوضع إنّما يكون بمقدار الحاجة إلى الاستعمال ، وهو محدود في دائرة التناهي لا محالة ، فالزائد عليه لغو ، فلا يصدر من الواضع الحكيم.
إلّا أنّ ما سلّمه قدسسره من تناهي الألفاظ فهو محلّ تأمّل وإشكال ، بل إنّه بعيد عن الصحّة ، وذلك من جهة أنّه يمكن لنا تصوير هيئات وتراكيب متعدّدة من الألفاظ بلحاظ كونها متشكّلة ومؤتلفة من الحروف الهجائية بعضها مع بعض إلى أعداد كثيرة خارجة عن حدّ التناهي إلى ما لا نهاية له ؛ إذ اللفظ الواحد يختلف باختلاف الحركات التلفّظية من الكسر والضمّ والفتح في أوّله وفي أوسطه أيضا بالضمّ والفتح والكسر ومن حيث التبديل في نقل حرف الأوّل إلى الوسط ، والوسط إلى الآخر ، والآخر إلى الأوّل ، وهكذا غير هذه الكلمات المفروضة من سائر الكلمات الموجودة في لسان أهل المحاورة بهيئات مختلفة تختلف الكلمة فيها عمّا كانت عليه قبل عروض هذا الاختلاف عليها ، فإنّها بجزئي تصرّف فيها من حيث التقديم والتأخير ، ومن حيث الإعراب بحركات مختلفة ، ومن حيث البناء وغير ذلك من التغييرات والإضافات والإلحاقات يتوارد على الكلام من حيث التأكيد والحصر والانحصار إلى ما لا نهاية في الإحصاء والأعداد.
فعلى هذا التقريب انقدح أنّه لا فرق بين المعاني والألفاظ من حيث اتّصافهما بعدم التناهي.
فإذا عرفت ما تلونا عليك من عدم الفرق بين المعاني والألفاظ ، فاعلم أنّ ما أفاده قدسسره من أنّ المعاني بعناوينها الكلية متناهية أيضا بعيد عن الواقع ، فلا يمكننا المساعدة له في ذلك ، وذلك من جهة أنّه ليس المراد من الكلّيات المفاهيم الكليّة المحضة ، كمفهوم الشيء أو الممكن والواجب ، حتّى يكون المتكلّم بها متمكّنا من تعيينها بالقرينة المتّصلة أو المنفصلة عن الكلام. بل المراد من المفاهيم الكليّة عبارة عن مطلق المفاهيم ، كمفهوم الإنسان والشجر والحجر