وفيه أنّه مردود ، لأنّه مجرّد استبعاد في مقابل البرهان ، مع أنّه لا مانع من أن يكون استعمال اللفظ في المعنى المجازي أكثر من استعماله في المعنى الحقيقي مع القرينة ، لازدياد جهات المعاني المجازيّة بالطبع عن المعنى الحقيقي الذي هو بالوضع مختصّ في موضوع له خاصّ ، بخلاف المعنى المجازي ، فإنّه لا محدوديّة فيه. فإذن لا محذور في ذلك بالقطع واليقين أصلا وأبدا بوجه من الوجوه ، على أنّ باب المجاز أوسع وأبلغ من الاستعمال في المعنى الحقيقي بالتقريب المتقدّم ، ولأجل ذلك يستعمل التشبيه والكناية والاستعارة والمبالغة التي هي من أقسام المجاز في كلّ المحاورات في الأشعار والكتب وكلمات الفصحاء والبلغاء من القديم إلى زماننا هذا أكثر من استعمالها في كلمات غيرهم.
والسّر في تلك الكثرة أنّ استعمال اللفظ في المعنى المناسب ليس محدودا بموارد خاصّة للمعنى الموضوع له ، بل هو ـ أي الاستعمال ـ يدور مدار المناسبة حيث وجدت ، فإنّه يجوز بأدنى مناسبة يقبلها الطبع البليغ في ميدان الفصاحة الواسع للشريف والوضيع من أبناء التكلّم واللسان ، فلا جرم يتكثّر بتكثّر المناسبات والعنايات بالعلاقات الملحوظة في مقتضيات الأحوال ، على حسب اختلاف الأحوال في موارد دعت الحاجة إلى استعمال المجازي بما لها من المقتضيات والحكمة التي يراها المتكلّم والناطق عند البيان والمخاطبة.
ومن هنا لا يكون ذلك تحت انضباط خاصّ وبرنامج كلّي ، ولأجل ذلك يكون الاستعمال في المعنى المجازي أكثر من الاستعمال في المعنى الحقيقي ، بل ربما يكون بالعكس ، مع إمكان أن يكون لمعنى واحد حقيقي بالوضع معان عديدة كثيرة مجازية ، وربما تتزايد المعاني المجازية بحدوث المعاني المجازية بمرور الزمان.
وثانيا : أنّ تلك الاستعمالات الكثيرة مع اعترافنا بكثرتها بلا ريب وشبهة