ولكن لا يخفى عليك أنّه لا دليل عليه في مقام الإثبات.
ومن هذه الناحية لا يمكن الالتزام بها ، وإن كان ممكنا ثبوتا.
إلّا أن يقال : إنّه لا محيص عن الالتزام بذلك ؛ إذ لو لا تلك المناسبة بينهما أي بين اللفظ والمعنى كيف يمكن للواضع أن يخصّص أحدهما بالآخر في مقابل تلك المعاني المتعدّدة الحاضرة في صفّه ورديفه ؟ وهل هذا التصرّف من الواضع إلّا من قبيل الترجيح بلا مرجّح الذي يعدّ من المحالات ، إذ كيف يعقل تحقّق حادث من الحوادث بلا وجود سبب وعلّة ؟
ولكنّ الحقّ أنّ هذا الإيراد مردود غير وارد ، أمّا أوّلا : فلأنّ المحال يتمّ في الثاني دون الأوّل ، على أنّه لا قبح في ذلك أصلا وأبدا حتّى تبلغ النوبة إلى الاستحالة ، إذ اختيار الوضع من الواضع لخصوص واحد من الألفاظ والمعاني في قبال سائر الألفاظ والمعاني بالطبع غير منفكّ عن المرجّح عند اختيار طبيعي الفعل مع فقدان الترجيح بين مصاديقه وأفراده ، وسنتعرّض لبيان توضيح هذا المطلب عند البحث عن الطلب والإرادة بحول الله وقوّته.
وبما أنّ المرجّح لاختيار طبيعيّ الوضع والتخصيص موجود ، فهو يكفينا في تخصيص الواضع وجعله لكلّ معنى لفظا مخصوصا ، وإن فقد الترجيح بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراده.
مع أنّه غير معقول تصوّر تحقّق تلك المناسبة المذكورة بين جميع الألفاظ والمعاني ؛ إذ ذلك مستلزم لتحقّقها بين لفظ واحد ومعاني متضادّة أو متناقضة فيما إذا كان للفظ واحد معاني كذلك ، مثل لفظ (جون) الموضوع للأسود والأبيض ، ولفظ (القرء) الموضوع للطهر والحيض ، وأمثالهما الموجودة في اللسان واللغة. وذلك غير معقول بالقطع واليقين لأنّ تحقّقها بين لفظ واحد ومعاني كذلك ملازم لتحقّقها بين نفس هذه المعاني بالوضوح والإشراق عند