ذلك الميدان هو البيان في شعاع التعهّد والالتزام بالتصدّي لوضع الألفاظ للمعاني بلحاظ الإفهام ، من دون أيّ فرق بين أيّ لغة ولسان ، دون الإيماء والإشارة اللذين يمكن أن يتمسّك بهما بعض الناس عند فقد اللسان من باب الضرورة بالنسبة إلى بعض المحسوسات.
فتحصّل أنّه عند احتياج الناس إلى بيان مقاصدهم في الارتباط إلى ما يحتاجون من المعاني الدخيلة في إدامة حياتهم المادّية والمعنويّة وأخذ أغراضهم منها ، ليس هناك طريق أحسن وأرشد وأدلّ في كمال الإيجاز غير المخلّ والإطناب غير المملّ وفي نهاية الفصاحة والبلاغة من نغمة وضع الألفاظ لغرض البيان ، فالإنسان بهذا الجناح الكافي في مقام بيان مقاصده ـ مع ما لها من الكثرة والقلّة ـ يظفر بتلك المهمّات وليس إلّا ، كما لا يخفى.
ولأجل ذلك جعل الله تعالى الإنسان مكرّما بهذه المكرمة من بين سائر خلق الله تعالى ، فيكون الإنسان ذا جناحين ، لاقتداره على بيان مقاصده بالتكلّم بالألفاظ ، وبالإشارة والإيماء بالنسبة إلى بعض مقاصده ، التي يكون الإنسان في هذه الخصوصيّة مشتركا مع سائر الحيوانات. وبما أنّ حوائجه تكون في نهاية الكثرة أكرمه الله تعالى بتعليم نغمة البيان أيضا ، فصار واجدا لكلّ من الخصلتين من العموميّ والخصوصيّ من الإشارة والبيان ببركة وتفضّل من الخالق الرحمن.
فصار المتحصّل من مجموع ما ذكرناه في مقام بيان الغرض من الوضع ـ بأنّه عبارة عن قصد إبراز وإفهام المقاصد بالألفاظ الموضوعة لأجل التفهيم ـ أنّ حقيقة علقة الوضعيّة عبارة بحسب الواقع عن التعهّد والتبنّي والالتزام النفس الأمري الموجودة في وجدان الواضع لانتخاب الألفاظ على إبراز المعاني بمقصد التفهيم والتفهّم عند التخاطب للوصول إلى ما يسدّ به احتياج المتكلّم بها ، فيكون قصد التفهيم لازما ذاتيّا للوضع الذي ليس إلّا بمعنى التعهّد ، فتصير دائرة