عرض السرجم أو أزيد بقليل ، وإذا فتح السرجم تكون أرض الصالات مستوية مع أرض سقف (١) خارج عن السرجم بنحو ذراعين ، يحدها ـ أي الأرض ـ دربوز حديد في غاية الإتقان ، ممتد مع امتداد سراجيم الصالات كلها ، أو مع امتداد عرض الدار ، فيعلم عدد طبقات الدار بعدد السراجيم المرتفع / ٤٨ / بعضها فوق بعض ، وحدود السراجيم الخارجة للطرق بارزة عن الجدار بالراقد المنجور ، ونجره في غاية اللطافة والإتقان ، وفوق كل باب سرجم قوس بديع الشكل مرونق ، وفوق قسي أبواب السراجم مادة تعرف في عرف البنائين بالسبنية ، بها توريق رفيع ، تكفيف لطيف ، والبناء جله بالراقد ، ويتركونه على أصله ، ولونه رمادي مفتوح ، وبواطن الصالات أفضل من ظاهرها لأن ما بين السرجمين أو بعض الجدران من داخل الصالة إما أن يجعلوا له طلاءا أبيض أو يجلدونه بالكاغط المورق المزخرف.
وحيث ركبنا في الوقت المذكور ، بقي يطوف بنا صاحبا الكدشين المذكورين نحو ساعتين إلى أن غربت الشمس ، فرأينا في بعض تلك الطرق زيادة على ما ذكر من التصاوير الثابتة في بعض الجدران شيئا كثيرا ، منها ما هو على صورة الآدمي ، ومنه ما هو رافع يديه إلى شيء فوق رأسه كلحية سارية بني عليها / ٤٩ / ما فوقه ، وكأنه حامل لما فوقه. فما أعظم كربته ، وأخسر صفقته! ومنها ما هو على غير ذلك من الصفات والأحوال. ومن الصور ما هو على صورة الأسود كاشرة أنيابها ، شائلة أذنابها ، ومنها ما هو على صفة البقر وغير ذلك من الصور المستغربة ، والتماثيل المستعذبة في زيهم وعاداتهم.
وفي يوم الاثنين (٢) الثاني عشر من جمادى الأولى المذكورة بعد صلاة العصر ، أوتي إلينا بكدشين آخرين ، فركبنا كما ذكرنا قبل ، وصار بنا إلى ناحية أخرى من البلد ، فوجدناها مثل الناحية التي طفنا بها بالأمس في البناء والطرق والأشجار
__________________
(١) يقصد الشرفة (البالكون) التي تميز النمط المعماري الأوربي الحديث المفتوح على الخارج بدل الداخل كما كان سائدا في المغرب
(٢) ٥ يونيو سنة ١٨٧٦ م.