ورقة بكتابتهم (١) دفعوها لنا عند الشروع في الأكل ، وهم مع ذلك يخللون الأكل بالشرب ، ونحن / ١٠٦ / يجعلون لنا الماء الصرف في الكؤوس التي قدامنا ويجعلون فيها حجرا من الثلج كأنه حجر الشب ، فقلت للذي كان بقربي هذا الثلج شأنه أن يذوب عند بقائه في الهواء ، فما باله لم يذب إلى الآن في بلدكم ، ونحن حين ينزل بقرب بلادنا شيء منه يذوب عاجلا ، فقال لي إننا نخزنه في الأرض كما تخزنون الزرع أنتم في المطامير فلذلك نحن نجعل (٢) المطامير ونفرش له التبن ، ويوضع فيها ويوضع فوقه التبن أيضا ويغطى بالتراب ، وعند الاحتياج يدخل إليه من محل آخر (٣) ، ويوخذ منه القدر المحتاج ، وإن نزل عليه تراب يغسل ، وكان فوق هذه المائدة ست ثريات موضوعة عليها في كل ثرية عشرون شمعة. وفي كل ثريتين محبقة فيها من ألوان النوار المصنوعة ، وليس عليها زاج ، يحسبها الرائي أنها مشموم التقطت له تلك النوار / ١٠٧ / ورتبت فيه ببديع الاختيار. وبسقف هذه القبة ثلاث ثريات كبيرات من الزاج موقودة كلها بالشمع ، ثم أخبرني هذا الذي كان بقربي أنه تقدمت له حروب كثيرة مع أولاد سيدي الشيخ (٤) وأنه يعرف تلك
__________________
(١) قائمة الطعام Menu على يسار الطبق ، ومنها يعلم كل مدعو ما سيقدم له خلال المأدبة ، فإن لم يستسغ صنفا مقدما فيمكنه الامتناع عن تناوله مع الاعتذار. (نفس المرجع السابق).
(٢) في الأصل نجعلوا ، بصيغة الجمع.
(٣) يلعب الذوق الجميل دوره في ترتيب المائدة من حيث كيفية تزيينها بالزهور والشمعدانات الفضية أو الكرستال ، والأغطية الجميلة والرائحة الطيبة وغير ذلك.
(٤) تنقسم قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى فصيلتين ، الشرقية دخلت تحت النفوذ الفرنسي بموجب اتفاقية الحدود لعام ١٨٤٥ م ، والغربية بقيت تحت النفوذ المغربي. وما بين ١٨٤٩ و١٨٦٢ م كان يسود فيها التفاهم والوئام ، إلى أن اشتعلت الثورة ضد الفرنسيين في يبراير ١٨٦٤ م بعد تحالف فصيلتي أولاد سيدي الشيخ مع بعض واحات توات ، بزعامة سي سليمان بن حمزة الذي هزم الجيش الفرنسي شرق فيكيك وجنوبها ، فأرغم الحاكم العام في الجزائر على توجيه فيالق من الجيش الفرنسي لإخماد الثورة ، والتي استمرت إلى سنة ١٨٨٢ م. للمزيد من التوسع في الموضوع انظر : «التوات» ، د. أحمد العماري.