تلك الخدمة ، والخدمة هناك كثيرون هذا عملهم بسبب تعدد المكينات ، ثم صعدنا طبقة أخرى فوجدنا فيها نواعير تدور ، كل ناعورتين تدوران على رابط بينهما كالحائط ، يدور عليهما منشور وتدور بدورانه صفحات الكاغد المكتوبة ، بل المطبوعة. قيل إن بدورانها يصفيها الهواء فيتم يبسها ، ولعلها أن بمرور الصفحة بين الناعورة والحديد ترتدع الحروف التي تكون بارزة في الكاغد ، وتنبسط ، ثم يصيبها الهواء ، وبمرورها يقبضها خدمة آخرون ، فيدفعونها / ١٤٠ / لنسوة فيشتغلن بطيها ويضعنها بعضها فوق بعض على حسب تواليها وتتابعها. وهناك نسوة أخر يفصلن الورقات ، ويضعن كل ورقة فوق أخرى على حسب تتابعها أيضا ، ثم صعدنا طبقة أخرى فوجدنا فيها نسوة يخدمن الكتب بالمكينات ، بحيث يجعلن حروف الكتاب أسفل حديدة ويرسلها عليه فتمر عليه بسرعة ، فتأخذ منه قدرا ، وتترك ذلك الحرف في غاية الاستواء.
وفي الطبقة التي فوق هذه المسفرون (١) ، والكتب موضوعة أمامهم مصطفة من الأرض إلى السقف ، ممتدة مع طول هذه الطبقة. فمنهم من هو مشتغل بوضع التذهيب في ألواح الأسفار ، ومنهم من هو مشتغل بخياطة الكتب ، وسئل عن عدد الخدمة الذين بهذه الدار ، فقيل ثنتا مائة خدام ، بين رجال ونساء ، وهذه الكتب تفرق في سائر الأقاليم ، ويطبع في هذه الدار بجميع الأقلام الموجودة في الوقت عدا القلم العربي (٢) ، فلم نر مطبعته هناك ، وإن كانت موجودة هناك فلم نصادف وقت الطبع بها ، ولعله لقلة طالبها.
__________________
(١) في الأصل السفارة.
(٢) انتقلت الطباعة إلى مصر مع الحملة الفرنسية سنة ١٧٩٨ م ، ولما انتهت الحملة أعيدت أدوات الطبع وآلاتها إلى فرنسا ، حتى أسس محمد علي باشا مطبعة بولاق عام ١٨٢٠ م وغدت المطبعة الرسمية للحكومة المصرية وتضم ٤٦٩ حرفا. (الطباعة الحديثة ، علي حسين عاصم ، ١٩٥٦ ، ١ : ١٢).