فيقربها / ١٣٨ / إليه ذلك المقابل لها ، ويفك تلك اللوحة التي فوق الصفحة وينزعها فتخرج مكتوبة كلها لا نقص فيها ، ثم يرفع الآخر طرفا من عود ـ والله أعلم ـ مستدير ، طوله كعرض صفحة الكاغد ، وله يدان بطرفين خارجتين ، وهو مبطن بشيء لين ، ويمر به على المداد الذي فوق رخامة أخرى أمامه ، ويمر به فوق الحروف ، ثم توضع صفحة أخرى فوق لوحة الحروف وهكذا كما تقدم (١) ، وكلما طبعت صفحة يقبلها آخر من الخدمة ويضعها فوق أخرى والخدمة هناك على هذه الكيفية كثيرون. ومنهم خدمة آخرون يطبعون بالكيفية الأخرى ، والفرق بينهما وبين الأخرى أن هذه لوحة حروفها قائمة قبالته فحين يوضع عليها الصفحة ، وتشد تنحدر قدامه ، كأنها تريد النزول ، فتلقاها المكينة ، من أسفلها ومن فوقها بلطافة ، ثم ترسلها فترجع إلى الذي هو مقابل لها ، فينزع هذه الصفحة مطبوعة كلها ، وأما الأولى فإن لوحة الحروف مبسوطة أمام المقابلين كما تقدم ، وهناك مطبعة على كيفية أخرى (٢) ، وذلك أنهم اتخذوا حرفا من حديد مستديرا ، طوله كعرض الصفحة التي تطبع فيه ، ومحيط دائرته / ١٣٩ / ، بقدر طول السطور التي تكتب في تلك الصفحة ، وبأسفله جرم آخر مثله طولا وعرضا ، وهما متسامتان ، أعني أحدهما فوق الآخر ، بينهما من الفضاء مقدار حرف الكاغد الذي يطبع بهما. وهذان الجرمان سطحهما مغروز بالحروف كسطح لولب الموسيقا المعروف بمسامير خدمتها ، وهما يدوران فيوضع رأس الصفحة بين ذلك الجرمين ، فيجذبانه إليهما ، فتراها خارجة من الجهة الأخرى بسرعة مطبوعة من كلتا الجهتين ، فيمسكها آخر واقف هناك ، فلا ينزل ورقة على أخرى إلا ويرفع ذانك الجرمان صفحة أخرى مطبوعة ، وهذا شغله لا راحة له لسير
__________________
(١) ذكر السفير الحاج إدريس العمراوي في رحلته «تحفة الملك العزيز بمملكة باريس» (حققه زكي مبارك ، طنجة ١٩٨٩ م) في أواخر سنة ١٨٥٩ م «ونطلب الله بوجود مولانا أمير المؤمنين أن يكمل محاسن مغربنا بمثل هذه المطبعة ويجعل في ميزان حسناته هذه المنفعة». نفهم من هذه الجملة كنص تاريخي في هذا المجال ، أن المغرب كان يتطلع لهذا الاختراع العلمي. على أن المطبعة الحجرية دخلت إلى المغرب على يد قاضي تارودانت سنة ١٨٦٦ م ، بعد أن اشتراها من مصر.
(٢) بعد المطبعة الحجرية يتحدث عن المطبعة الميكانيكية الحديثة ، التي أخذت محلها شيئا فشيئا.