خزانات عديدة ، قيل إن جميع الخطوط التي تقدمت في سالف الدهر ، مع الموجود منها اليوم ، كلها مقيدة محفوظة هناك حتى الخط السرياني ، وسموا لنا خطوطا كثيرة ما سمعتها قط ، وعددت هناك ما يزيد على العشرين خطا ، فما استوعبت نصفها. وخرجت تابعا لأصحابنا ، فدخلنا لدار المطبعة ، وهي دار عظيمة في أسفلها طرق كثيرة يوصل بعضها إلى / ١٣٧ / بعض ، والداخل إليها وحده ممن لا خبرة له بها إذا توسطها لا أظنه يهتدي إلى طريق الخروج منها ، لشدة كبرها. ومع ذلك فهي مقبية بالزاج في غاية النظافة ، لا ترى فيها غبراء ولا بها شيئا يستقدر ، وفي هذه الطبقة السفلى أناس كثيرون ، بيدهم الألواح ، وأمامهم الحروف (١) في صناديقها ، وهم يركبون الحروف في الألواح ويصففونها في سطور ويجعلون بين كل سطرين فتقية (٢) حديد تمسك الحروف ، هذا شغل هؤلاء الناس ، وهناك آخرون ، وهم قليلون ، بين أيديهم رزم من الكاغد الأبيض يضعونه في صهريج ماء ويخرجونه ليصير قابلا لطبع الحروف فيه ، وهناك مكينة حديد عظيمة ، بها تتحرك جميع المكينات التي في الطبقات ، ثم صعدنا الطبقة الثانية ، فوجدنا فيها الأناس المشتغلين بالطبع فمنها مطبعة الحجر ، لكن لم نجد واحدا منهم يطبع بها ، وإنما هناك أناس مشتغلون بنقش الحروف في الحجر وهو حجر صلب أظنه رخاما (٣) ـ والله أعلم ـ ، ومنها ألواح كبيرة على قدر صفحة الكاغد الكبيرة ، يأخذ رجلان الصفحة (٤) ويضعانها عليها وينزلان فوقها ، لوحة حديد على قدرها ، ويدفعها المقابل للمكينة فتنزل عليها بلطافة وترتفع
__________________
(١) هي الأداة التي توضع فيها الحروف ، وتصنع عادة من الخشب التك (Teak Wood) أو الزان ، وتقسم إلى خانات ، الضيقة تملأ بالحروف القليلة الاستعمال ، والمتوسطة بالحروف الأكثر استعمالا حتى تلتقط بأسرع وأيسر وسيلة.
(٢) المصف الخاص بجمع الحروف الصغيرة يسحب ، ويوضع فوق السطر المجموع بالمصف ، لتسهيل جمع سطر آخر فوقه ، وهكذا إلى أن يملأ المصف بالأسطر فيفرغ دفعة واحدة. الطباعة الحديثة ، علي حسين عاصم ، ١ : ٢٦.
(٣) الحروف تنقش على الحجر المتوسط الصلابة ، وليس الرخام. (نفس المرجع السابق).
(٤) في الأصل يضعونها عليها وينزلون.